Jawab : Kedua orang tua Nabi Muhammad SAW. diistimewakan Allah dengan Keselamatan dan surga. Sebenarnya tidak sebaiknya kita memperbincangkan hal ini, karena membicarakan hal ini juga bukan merupakan bagian daripada Aqidah yang wajib untuk kita ketahui. Membicarakan hal ini pun tidak membuahkan pahala dan meninggalkanya tidak membuat kita berdosa. Imam Suyuti mengupas luas dan tuntas tentang ha ini dalam kitab fatawanya AL-HAWI dalam masalah USULIYAH DINIYAH sebanyak 30 halaman dalam bab Khusus مسالك الحنفا في والدي المصطفى mulaih hal 191 s/d 221.
وعبارتها :
- المأخذ الأول : كتاب العقود الدرية تنقيح الفتاوى الحامدية (فائدة من مات الخ )
الشيخ محمد أمين بن عمر الحنفي
( فَائِدَةٌ ) مَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ أُبِيحَ لَعْنُهُ إلَّا وَالِدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، لِثُبُوتِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحْيَاهُمَا لَهُ حَتَّى آمَنَا بِهِ كَذَا فِي الْأَشْبَاهِ عَنْ مَنَاقِبِ الْكَرْدَرِيِّ رحمه الله تعالى، وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ طَائِفَةٌ مِنْ الْحُفَّاظِ وَلَمْ يَلْتَفِتُوا لِمَنْ طَعَنَ فِيهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ لَا مَوْضُوعٌ، حَتَّى قَالَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ
حَبَا اللَّهُ النَّبِيَّ مَزِيدَ فَضْلٍ عَلَى فَضْلٍ وَكَانَ بِهِ رَءُوفَا
فَأَحْيَا أُمَّهُ وَكَذَا أَبَاهُ لِإِيمَانٍ بِهِ فَضْلًا لَطِيفًا
فَسَلِّمْ فَالْقَدِيمُ بِذَا قَدِيرٌ
وَإِنْ كَانَ الْحَدِيثُ بِهِ ضَعِيفًا فَيُعْمَلُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَمِنْ جُمْلَتِهَا هَذَا، كَيْفَ وَقَدْ وَرَدَ أَحَادِيثُ دَالَّةٌ عَلَى طَهَارَةِ نَسَبِهِ الشَّرِيفِ عليه الصلاة والسلام مِنْ دَنَسِ الشِّرْكِ وَشَيْنِ الْكُفْرِ، وَمَحَلُّ كَوْنِ الْإِيمَانِ لَا يَنْفَعُ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي غَيْرِ الْخُصُوصِيَّةِ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام رُدَّتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ بَعْدَ مَغِيبِهَا فَعَادَ الْوَقْتُ حَتَّى صَلَّى فِي الْوَقْتِ الْعَصْرَ كَرَامَةً لَهُ عليه الصلاة والسلام، وَسُئِلَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ أَحَدُ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ رحمه الله تعالى عَنْ رَجُلٍ قَالَ : إنَّ أَبَا النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي النَّارِ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ مَلْعُونٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : { إنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ } قَالَ وَلَا أَذَى أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُقَالَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ فِي النَّارِ، وَقَالَ الْإِمَامُ السُّهَيْلِيُّ رحمه الله تعالى فِي الرَّوْضِ الْأُنُفِ وَلَيْسَ لَنَا نَحْنُ أَنْ نَقُولَ ذَلِكَ فِي أَبَوَيْهِ عليه الصلاة والسلام لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام : { لَا تُؤْذُوا الْأَحْيَاءَ بِسَبِّ الْأَمْوَاتِ } , وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ { إنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ } . وَقَدْ أَمَرَنَا أَنْ نُمْسِكَ اللِّسَانَ إذَا ذُكِرَ أَصْحَابُهُ رضي الله تعالى عنهم بِشَيْءٍ يَرْجِعُ إلَى الْعَيْبِ أَوْ النَّقْصِ فِيهِمْ، فَلَأَنْ نُمْسِكَ وَنَكُفَّ عَنْ أَبَوَيْهِ أَحَقُّ وَأَحْرَى إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَحَقُّ الْمُسْلِمِ أَنْ يُمْسِكَ لِسَانَهُ عَمَّا يُخِلُّ بِشَرَفِ نَسَبِ نَبِيِّهِ عليه الصلاة والسلام بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ إثْبَاتَ الشِّرْكِ فِي أَبَوَيْهِ إخْلَالٌ ظَاهِرٌ بِشَرَفِ نَسَبِ نَبِيِّهِ الطَّاهِرِ، وَجُمْلَةُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ لَيْسَتْ مِنْ الِاعْتِقَادِيَّاتِ فَلَا حَظَّ لِلْقَلْبِ فِيهَا وَأَمَّا اللِّسَانُ فَحَقُّهُ الْإِمْسَاكُ عَمَّا يَتَبَادَرُ مِنْهُ النُّقْصَانُ خُصُوصًا عِنْدَ الْعَامَّةِ، لِأَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى دَفْعِهِ وَتَدَارُكِهِ هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي هَذَا الْمَقَامِ مِنْ الْمَقَالِ وَقَدْ أَتَى الْعَلَّامَةُ الْخَفَاجِيُّ بِوَجْهٍ آخَرَ نَظَمَهُ , وَفِيهِ أَيْضًا الصَّوَابُ فَقَالَ
لِوَالِدَيْ طَه مَقَامٌ عَلَا فِي جَنَّةِ الْخُلْدِ وَدَارِ الثَّوَابِ
وَقَطْرَةٌ مِنْ فَضَلَاتٍ لَهُ فِي الْجَوْفِ تُنْجِي مِنْ أَلِيمِ الْعِقَابِ
فَكَيْفَ أَرْحَامٌ لَهُ قَدْ غَدَتْ حَامِلَةٌ تُصْلَى بِنَارِ الْعَذَابِ
لِأَنَّ فَضَلَاتِهِ عليه الصلاة والسلام طَاهِرَةٌ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، لِأَنَّ أُمَّ أَيْمَنَ بَرَكَةَ الْحَبَشِيَّةَ شَرِبَتْ بَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَنْ يَلِجَ النَّارَ بَطْنُكِ صَحَّحَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ التِّرْمِذِيُّ دَمُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم طَاهِرٌ لِأَنَّ أَبَا طَيْبَةَ شَرِبَهُ وَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَهُوَ غُلَامٌ حِينَ أَعْطَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم دَمَ حِجَامَتِهِ لِيَدْفِنَهُ فَشَرِبَهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم { مَنْ خَالَطَ دَمُهُ دَمِي لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ } وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ مَذْكُورَةٌ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحَةِ وَذَكَرَهَا فُقَهَاؤُنَا وَتَبِعَهُمْ الشَّافِعِيَّةُ كَالشِّرْبِينِيِّ فِي شَرْحِ الْغَايَةِ وَفُقَهَاءُ الْمَالِكِيَّةِ , وَالْحَنَابِلَةِ فَكَانَتْ كَالْمُجْمَعِ عَلَيْهَا فَحَيْثُ ثَبَتَ أَنَّ فَضَلَاتِهِ عليه الصلاة والسلام تُنْجِي مِنْ النَّارِ فَكَيْفَ مَنْ رُبِّيَ مِنْ دَمِهَا وَلَحْمِهَا وَرُبِّيَ فِي بَطْنِهَا وَمَنْ كَانَ أَصْلُ خِلْقَتِهِ الشَّرِيفَةِ مِنْهُ يَدْخُلُ النَّارَ هَذَا مَا جَرَى بِهِ لِسَانُ الْقَلَمِ , وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .
- المأخذ الثاني : غمز أعين البصائر في شرح الأشباه والنظائر
(كتاب الحظر والإباحة)
ألشيخ أحمد بن محمد الحموي الحنفي
قَوْلُهُ : لِثُبُوتِ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَحْيَاهُمَا لَهُ حَتَّى آمَنَا بِهِ إلَخْ . يَعْنِي لِثُبُوتِ ذَلِكَ فِي حَدِيثٍ ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْحُفَّاظِ , وَلَمْ يَلْتَفِتُوا لِمَنْ طَعَنَ فِيهِ , وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَحْيَاهُمَا لَهُ فَآمَنَا بِهِ خُصُوصِيَّةً لَهُمَا وَمَحَلُّ كَوْنِ الْإِيمَانِ لَا يَنْفَعُ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي غَيْرِ الْخُصُوصِيَّةِ وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام رُدَّتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ بَعْدَ مَغِيبِهَا فَعَادَ الْوَقْتُ حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ أَدَاءً كَرَامَةً لَهُ صلى الله عليه وسلم فَكَذَا هَذَا كَذَا فِي شَرْحِ الْهَمْزِيَّةِ لِابْنِ حَجَرٍ الْهَيْثَمِيِّ هَذَا وَاعْلَمْ أَنَّ السَّلَفَ اخْتَلَفُوا فِي أَبَوَيْ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم هَلْ مَاتَا عَلَى الْكُفْرِ أَمْ لَا فَذَهَبَ إلَى الْأَوَّلِ جَمْعٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ التَّيْسِيرِ وَذَهَبَ إلَى الثَّانِي جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ مُتَمَسِّكِينَ بِأَحَادِيثَ دَالَّةٍ عَلَى طَهَارَةِ نَسَبِهِ الشَّرِيفِ عليه الصلاة والسلام مِنْ دَنَسِ الشِّرْكِ وَشَيْنِ الْكُفْرِ , وَنَفَرٌ مِنْ الْجَمِيعِ الْأَوَّلِ قَالُوا بِنَجَاتِهِمَا مِنْ النَّارِ مِنْهُمْ الْإِمَامُ الْقُرْطُبِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ : إنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَحْيَاهُمَا لَهُ عليه الصلاة والسلام وَآمَنَا بِهِ فَإِنْ قُلْتَ : أَلَيْسَ الْحَدِيثُ الَّذِي وَرَدَ فِي إحْيَائِهِمَا مَوْضُوعًا ؟ قُلْتُ : زَعَمَهُ بَعْضُ النَّاسِ إلَّا أَنَّ الصَّوَابَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ لَا مَوْضُوعٌ وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْحَافِظُ نَاصِرُ الدِّينِ الدِّمَشْقِيُّ حَيْثُ قَالَ : حَبَا اللَّهُ النَّبِيَّ مَزِيدَ فَضْلٍ عَلَى فَضْلٍ فَكَانَ بِهِ رَءُوفَا فَأَحْيَا أُمَّهُ وَكَذَا أَبَاهُ لِإِيمَانٍ بِهِ فَضْلًا لَطِيفَا فَسَلِّمْ فَالْقَدِيمُ بِهِ قَدِيرٌ وَإِنْ كَانَ الْحَدِيثُ بِهِ ضَعِيفَا نَصَّ عَلَى كَوْنِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ ضَعِيفًا لَا مَوْضُوعًا وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ سَيِّدِ النَّاسِ فِي السِّيرَةِ رُوِيَ { أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَآمِنَةَ بْنَةَ وَهْبٍ أَبَوَيْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَسْلَمَا وَأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَحْيَاهُمَا لَهُ فَآمَنَا بِهِ , وَرُوِيَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي حَقِّ جَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ } ثُمَّ قَالَ : وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ قَالَ : { قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ أُمِّي فَقَالَ أُمُّك فِي النَّارِ قُلْتُ فَأَيْنَ مَنْ مَضَى مِنْ أَهْلِكَ قَالَ أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ أُمُّكَ مَعَ أُمِّي } ثُمَّ قَالَ : وَذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْجَمْعِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ مِنْ الْجَائِزِ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ دَرَجَةً حَصَلَتْ لَهُ عليه الصلاة والسلام بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ , وَأَنْ يَكُونَ الْإِحْيَاءُ وَالْإِيمَانُ مُتَأَخِّرًا عَنْ ذَلِكَ فَلَا مُعَارَضَةَ انْتَهَى مُلَخَّصًا . وَسَأَلَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ أَحَدَ الْأَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ عَنْ رَجُلٍ قَالَ : إنَّ أَبَا النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي النَّارِ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ مَلْعُونٌ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ { إنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ } قَالَ : وَلَا أَذَى أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُقَالَ عَنْ أَبِيهِ : إنَّهُ فِي النَّارِ . وَقَالَ الْإِمَامُ السُّهَيْلِيُّ فِي الرَّوْضِ الْأُنُفِ : وَلَيْسَ لَنَا نَحْنُ أَنْ نَقُولَ ذَلِكَ فِي أَبَوَيْهِ صلى الله عليه وسلم لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم : { لَا تُؤْذُوا الْأَحْيَاءَ بِسَبِّ الْأَمْوَاتِ } . وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ { إنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } الْآيَةَ وَقَدْ أُمِرْنَا أَنْ نُمْسِكَ اللِّسَانَ إذَا ذَكَرَ أَصْحَابَهُ رضي الله عنهم بِشَيْءٍ يَرْجِعُ ذَلِكَ إلَى الْعَيْبِ وَالنَّقْصِ فِيهِمْ فَلَأَنْ نُمْسِكَ وَنَكُفَّ عَنْ أَبَوَيْهِ أَحَقُّ وَأَحْرَى إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَحَقُّ الْمُسْلِمِ أَنْ يُمْسِكَ لِسَانَهُ عَمَّا يُخِلُّ بِشَرَفِ نَبِيِّهِ عليه الصلاة والسلام بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ إثْبَاتَ الشِّرْكِ فِي أَبَوَيْهِ إخْلَالٌ ظَاهِرٌ بِشَرَفِ نَسَبِ نَبِيِّهِ الطَّاهِرِ فَجُمْلَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَيْسَتْ مِنْ الِاعْتِقَادَاتِ فَلَا حَظَّ لِلْقَلْبِ مِنْهَا , وَأَمَّا لِلِّسَانِ فَحَقُّهُ الْإِمْسَاكُ عَمَّا يَتَبَادَرُ مِنْهُ النُّقْصَانُ خُصُوصًا إلَى وَهْمِ الْعَامَّةِ ; لِأَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى دَفْعِهِ وَتَدَارُكِهِ هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي هَذَا الْمَقَامِ مِنْ الْكَلَامِ , وَاَللَّهُ وَلِيُّ الْفَضْلِ وَالْإِنْعَامِ
المأخذ الثالث : كتاب فتاوى الرملي (من قال لأحد من أبآء رسول الله)
الشيخ أحمد بن أحمد الرملي
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ : وَفِيهِ نَظَرٌ , وَذَلِكَ أَنَّ فَضَائِلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَخَصَائِصَهُ لَمْ تَزَلْ تَتَوَالَى وَتَتَتَابَعُ إلَى حِينِ مَمَاتِهِ فَيَكُونُ هَذَا مِمَّا فَضَّلَهُ اللَّهُ تَعَالَى , وَأَكْرَمَهُ بِهِ وَلَيْسَ إحْيَاؤُهُمَا , وَإِيمَانُهُمَا بِهِ يَمْتَنِعُ عَقْلًا وَلَا شَرْعًا فَقَدْ وَرَدَ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ إحْيَاءُ قَتِيلِ بَنِي إسْرَائِيلَ , وَإِخْبَارُهُ بِقَاتِلِهِ وَكَانَ عِيسَى عليه الصلاة والسلام يُحْيِي الْمَوْتَى وَكَذَلِكَ نَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم أَحْيَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى يَدَيْهِ جَمَاعَةً مِنْ الْمَوْتَى فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ إيمَانِهِمَا بَعْدَ مَوْتِهِمَا زِيَادَةً فِي كَرَامَتِهِ وَفَضِيلَتِهِ مَعَ مَا وَرَدَ مِنْ الْخَبَرِ فِي ذَلِكَ فَيَكُونُ ذَلِكَ خُصُوصًا فِيمَنْ مَاتَ كَافِرًا وَقَوْلُهُ فَمَنْ مَاتَ كَافِرًا إلَى آخِرِ كَلَامِهِ مَرْدُودٌ لِمَا رُوِيَ مِنْ الْخَبَرِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَدَّ الشَّمْسَ عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ مَغِيبِهَا ذَكَرَهُ أَبُو حَفْصٍ الطَّحَاوِيُّ وَقَالَ إنَّهُ حَدِيثُ ثَابِتٍ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ رُجُوعُ الشَّمْسِ نَافِعًا , وَأَنَّهُ لَا يَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ الْوَقْتِ لَمَا رَدَّهَا عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ يَكُونُ إحْيَاءُ أَبَوَيْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَافِعًا لِإِيمَانِهِمَا وَتَصْدِيقِهِمَا بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ قَبِلَ اللَّهُ تَعَالَى إيمَانَ قَوْمِ يُونُسَ وَتَوْبَتَهُمْ مَعَ تَلَبُّسِهِمْ بِالْعَذَابِ فِيمَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْأَقْوَالِ , وَهُوَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ . وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الْآيَةِ فَيَكُونُ ذَلِكَ قَبْلَ إيمَانِهِمْ وَكَوْنِهِمَا فِي الْعَذَابِ . ا هـ . وَقَالَ الْحَافِظُ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ نَاصِرٍ الدِّمَشْقِيُّ : حَبَا اللَّهُ النَّبِيَّ مَزِيدَ فَضْلٍ عَلَى فَضْلٍ وَكَانَ بِهِ رَءُوفًا فَأَحْيَا أُمَّهُ وَكَذَا أَبَاهُ لِإِيمَانٍ بِهِ فَضْلًا لَطِيفًا فَسَلِّمْ فَالْقَدِيمُ بِذَا قَدِيرٌ , وَإِنْ كَانَ الْحَدِيثُ بِهِ ضَعِيفًا وَحِينَئِذٍ فَقَدْ صَارُوا مِنْ السُّعَدَاءِ الْفَائِزِينَ لقوله تعالى { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ } وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم { الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ } وقوله تعالى { وَلَسَوْفَ يُعْطِيك رَبُّك فَتَرْضَى } وَمِنْ رِضَاهُ صلى الله عليه وسلم أَنْ لَا يَدْخُلَ أَحَدٌ مِنْ أَبَوَيْهِ النَّارَ وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم { سَأَلْت رَبِّي أَنْ لَا يُدْخِلَ النَّارَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ بَيْتِي فَأَعْطَانِي ذَلِكَ } أَوْرَدَهُ الْحَافِظُ مُحِبُّ الدِّينِ الطَّبَرِيُّ فِي كِتَابِهِ ذَخَائِرِ الْعُقْبَى وَلِهَذَا لَمَّا سُئِلَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ أَحَدُ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ عَنْ رَجُلٍ قَالَ إنَّ أَبَا النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي النَّارِ فَأَجَابَ بِأَنَّ مَنْ قَالَ إنَّ أَبَا النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي النَّارِ فَهُوَ مَلْعُونٌ لقوله تعالى { إنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ } قَالَ وَلَا أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُقَالَ عَنْ أَبِيهِ إنَّهُ فِي النَّارِ فَإِنْ قِيلَ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى كَوْنِهِمَا لَمْ يَكُونَا كَافِرَيْنِ أَنَّهُمَا مَاتَا قَبْلَ الْبَعْثَةِ وَلَا تَعْذِيبَ قَبْلَهَا لِقَوْلِهِ { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا } وَقَدْ أَطْبَقَتْ أَئِمَّةُ الْأَشْعَرِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْأُصُولِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ وَلَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ يَمُوتُ نَاجِيًا , وَأَنَّهُ لَا يُقَاتَلُ حَتَّى يُدْعَى إلَى الْإِسْلَامِ ؟
المأخذ الربع : كتاب الفواكه الدواني (باب ما تنطق به الألسنة)
ألشيخ أحمد بن غانم بن سالم المالكي
وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ صَرَّحَ فِي الْفِقْهِ الْأَكْبَرِ بِأَنَّ أَبَوَيْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَاتَا عَلَى الْكُفْرِ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْمَعْرِفَةِ بِالْعَقْلِ , نَعَمْ إنْ وَرَدَ نَصٌّ صَحِيحٌ أَنَّ اللَّهَ أَحْيَاهُمَا وَآمَنَا بِهِ صلى الله عليه وسلم وَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ , وَقَدْ وَرَدَ النَّصُّ بِأَنَّ أَبَا إبْرَاهِيمَ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ لقوله تعالى : { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ } وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ كَانَ عَمَّهُ عُدُولٌ عَنْ الظَّاهِرِ . قَالَ الْعَلَّامَةُ الْأُجْهُورِيُّ : وَاحْتَجَّ بَعْضُ مَشَايِخِنَا إلَى تَرْجِيحِ الْقَوْلِ بِأَنَّ أَهْلَ الْفَتْرَةِ نَاجُونَ فَيَكُونُونَ فِي الْجَنَّةِ , وَكَذَلِكَ أَبَوَيْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَاجِيَانِ وَلَيْسَا فِي النَّارِ بِالْمَوْتِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ وَلَا تَعْذِيبَ قَبْلَهَا لقوله تعالى : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا } وَدُخُولُ الْجَنَّةِ لَا يُنَالُ بِعَمَلٍ وَإِنَّمَا هُوَ بِمَحْضِ الْفَضْلِ , وَالنَّارُ إنَّمَا تَكُونُ لِلْكَافِرِ وَالْعَاصِي , وَمَنْ مَاتَ قَبْلَ الْبَعْثَةِ لَمْ يُتَصَوَّرْ عِصْيَانُهُ , وَأَيْضًا أَطْبَقَتْ الْأَئِمَّةُ الْأَشَاعِرَةُ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْأُصُولِ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ وَلَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ يَمُوتُ نَاجِيًا لَا عِقَابَ عَلَيْهِ وَلَا ثَوَابَ لَهُ .
المأخذ الخامس : بريقة محمودية (والأموات حكم سبهم)
الشيخ محمد بن محمد بن مصطفى الحنفي
( وَالْأَمْوَاتُ ) فِي الْجَامِعِ أَيْضًا { لَا تَسُبُّوا الْأَمْوَاتَ } قَالَ الْمُنَاوِيُّ أَيْ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ سَبَّ الْكُفَّارِ قُرْبَةٌ { فَإِنَّهُمْ أَفْضَوْا إلَى مَا قَدَّمُوا } وَفِي رِوَايَةٍ { فَتُؤْذُوا الْأَحْيَاءَ} . قَالَ الْمُنَاوِيُّ أَيْ مِنْ بَيْتِهِ وَأَقَارِبِهِ أُخِذَ مِنْهُ جَمْعُ حُرْمَةِ ذِكْرِ أَبَوَيْ النَّبِيِّ صلى الله تعالى عليه وسلم بِمَا فِيهِ نَقْصٌ فَإِنَّ ذَلِكَ يُؤْذِيهِ وَأَذَاهُ كُفْرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهَا وَقَدْ أَطْنَبَ الْمُصَنِّف فِي الِاسْتِدْلَالِ لِعَدَمِ الْحُكْمِ عَلَيْهِمَا بِكُفْرٍ انْتَهَى لَعَلَّهُ يُرِيدُ رِسَالَةً مُسْتَقِلَّةً لِلسُّيُوطِيِّ فِي حَقِّ إسْلَامِ أَبَوَيْهِ صلى الله تعالى عليه وسلم بِطُرُقٍ ثَلَاثَةٍ لَعَلَّك سَمِعْتهَا فِيمَا قِيلَ وَأَيْضًا وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ سَبِّ الرِّيحِ بِحَدِيثِ { لَا تَسُبُّوا الرِّيحَ فَإِنَّهَا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ } بَلْ عَنْ سَبِّ الشَّيْطَانِ بِحَدِيثِ { لَا تَسُبُّوا الشَّيْطَانَ } . قَالَ الْمُنَاوِيُّ فَإِنَّ السَّبَّ لَا يَدْفَعُ عَنْكُمْ ضَرَرَهُ وَلَا يُغْنِي عَنْكُمْ مِنْ عَدَاوَتِهِ شَيْئًا
المأخذ السادس : كتاب رد المختار على در المختار (باب نكاح الكافر)
محمد أمين بن عمر الحنفي
مَطْلَبٌ فِي الْكَلَامِ عَلَى أَبَوَيْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَهْلِ الْفَتْرَةِ وَلَا يُقَالُ : إنَّ فِيهِ إسَاءَةَ أَدَبٍ لِاقْتِضَائِهِ كُفْرَ الْأَبَوَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ مَعَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحْيَاهُمَا لَهُ وَآمَنَا بِهِ كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثٍ ضَعِيفٍ . لِأَنَّا نَقُولُ : إنَّ الْحَدِيثَ أَعَمُّ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ وَأَبِي نُعَيْمٍ وَابْنِ عَسَاكِرَ { خَرَجْت مِنْ نِكَاحٍ وَلَمْ أَخْرُجْ مِنْ سِفَاحٍ مِنْ لَدُنْ آدَمَ إلَى أَنْ وَلَدَنِي أَبِي وَأُمِّي لَمْ يُصِبْنِي مِنْ سِفَاحِ الْجَاهِلِيَّةِ شَيْءٌ } وَإِحْيَاءُ الْأَبَوَيْنِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا لَا يُنَافِي كَوْنَ النِّكَاحِ كَانَ فِي زَمَنِ الْكُفْرِ . وَلَا يُنَافِي أَيْضًا مَا قَالَهُ الْإِمَامُ فِي الْفِقْهِ الْأَكْبَرِ مِنْ أَنَّ وَالِدَيْهِ صلى الله عليه وسلم مَاتَا عَلَى الْكُفْرِ , وَلَا مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ { اسْتَأْذَنْت رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي } وَمَا فِيهِ أَيْضًا { أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ أَبِي ؟ قَالَ : فِي النَّارِ , فَلَمَّا قَفَّا دَعَاهُ إنَّ أَبِي وَأَبَاك فِي النَّارِ } لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ الْإِحْيَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ , وَكَوْنُ الْإِيمَانِ عِنْدَ الْمُعَايَنَةِ غَيْرُ نَافِعٍ فَكَيْفَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَذَاكَ فِي غَيْرِ الْخُصُوصِيَّةِ الَّتِي أَكْرَمَ اللَّهُ بِهَا نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال عَلَى نَجَاتِهِمَا بِأَنَّهُمَا مَاتَا فِي زَمَنِ الْفَتْرَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أُصُولِ الْأَشَاعِرَةِ أَنَّ مَنْ مَاتَ وَلَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَى يَمُوتُ نَاجِيًا , أَمَّا الْمَاتُرِيدِيَّةُ , فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةٍ يُمْكِنُهُ فِيهَا التَّأَمُّلُ وَلَمْ يَعْتَقِدْ إيمَانًا وَلَا كُفْرًا فَلَا عِقَابَ عَلَيْهِ , بِخِلَافِ مَا إذَا اعْتَقَدَ كُفْرًا أَوْ مَاتَ بَعْدَ الْمُدَّةِ غَيْرَ مُعْتَقِدٍ شَيْئًا . نَعَمْ الْبُخَارِيُّونَ مِنْ الْمَاتُرِيدِيَّةِ وَافَقُوا الْأَشَاعِرَةَ , وَحَمَلُوا قَوْلَ الْإِمَامِ لَا عُذْرَ لِأَحَدٍ فِي الْجَهْلِ بِخَالِقِهِ عَلَى مَا بَعْدَ الْبِعْثَةِ , وَاخْتَارَهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي التَّحْرِيرِ , لَكِنْ هَذَا فِي غَيْرِ مَنْ مَاتَ مُعْتَقِدًا لِلْكُفْرِ , فَقَدْ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ وَالْفَخْرُ الرَّازِيُّ بِأَنَّ مَنْ مَاتَ قَبْلَ الْبِعْثَةِ مُشْرِكًا فَهُوَ فِي النَّارِ , وَعَلَيْهِ حَمَلَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ مَا صَحَّ مِنْ الْأَحَادِيثِ فِي تَعْذِيبِ أَهْلِ الْفَتْرَةِ بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يُشْرِكْ مِنْهُمْ وَلَمْ يُوجَدْ بَلْ بَقِيَ عُمُرُهُ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا كُلِّهِ فَفِيهِمْ الْخِلَافُ , وَبِخِلَافِ مَنْ اهْتَدَى مِنْهُمْ بِعَقْلِهِ كَقُسِّ بْنِ سَاعِدَةَ وَزَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ فَلَا خِلَافَ فِي نَجَاتِهِمْ , وَعَلَى هَذَا فَالظَّنُّ فِي كَرَمِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَكُونَ أَبَوَاهُ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَحَدِ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ , بَلْ قِيلَ إنَّ آبَاءَهُ صلى الله عليه وسلم كُلَّهُمْ مُوَحِّدُونَ لقوله تعالى { وَتَقَلُّبُك فِي السَّاجِدِينَ } لَكِنْ رَدَّهُ أَبُو حَيَّانَ فِي تَفْسِيرِهِ بِأَنَّ قَوْلَ الرَّافِضَةِ وَمَعْنَى الْآيَةِ وَتَرَدُّدُك فِي تَصَفُّحِ أَحْوَالِ الْمُتَهَجِّدِينَ فَافْهَمْ . وَبِالْجُمْلَةِ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ : أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي ذِكْرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَّا مَعَ مَزِيدِ الْأَدَبِ . وَلَيْسَتْ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَضُرُّ جَهْلُهَا أَوْ يُسْأَلُ عَنْهَا فِي الْقَبْرِ أَوْ فِي الْمَوْقِفِ , فَحِفْظُ اللِّسَانِ عَنْ التَّكَلُّمِ فِيهَا إلَّا بِخَيْرٍ أَوْلَى وَأَسْلَمُ , وَسَيَأْتِي زِيَادَةُ كَلَامٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ الْمُرْتَدِّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَتَوْبَةُ الْيَأْسِ مَقْبُولَةٌ دُونَ إيمَانِ الْيَأْسِ
- المأخذ الأول : كتاب العقود الدرية تنقيح الفتاوى الحامدية (فائدة من مات الخ )
الشيخ محمد أمين بن عمر الحنفي
( فَائِدَةٌ ) مَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ أُبِيحَ لَعْنُهُ إلَّا وَالِدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، لِثُبُوتِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحْيَاهُمَا لَهُ حَتَّى آمَنَا بِهِ كَذَا فِي الْأَشْبَاهِ عَنْ مَنَاقِبِ الْكَرْدَرِيِّ رحمه الله تعالى، وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ طَائِفَةٌ مِنْ الْحُفَّاظِ وَلَمْ يَلْتَفِتُوا لِمَنْ طَعَنَ فِيهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ لَا مَوْضُوعٌ، حَتَّى قَالَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ
حَبَا اللَّهُ النَّبِيَّ مَزِيدَ فَضْلٍ عَلَى فَضْلٍ وَكَانَ بِهِ رَءُوفَا
فَأَحْيَا أُمَّهُ وَكَذَا أَبَاهُ لِإِيمَانٍ بِهِ فَضْلًا لَطِيفًا
فَسَلِّمْ فَالْقَدِيمُ بِذَا قَدِيرٌ
وَإِنْ كَانَ الْحَدِيثُ بِهِ ضَعِيفًا فَيُعْمَلُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَمِنْ جُمْلَتِهَا هَذَا، كَيْفَ وَقَدْ وَرَدَ أَحَادِيثُ دَالَّةٌ عَلَى طَهَارَةِ نَسَبِهِ الشَّرِيفِ عليه الصلاة والسلام مِنْ دَنَسِ الشِّرْكِ وَشَيْنِ الْكُفْرِ، وَمَحَلُّ كَوْنِ الْإِيمَانِ لَا يَنْفَعُ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي غَيْرِ الْخُصُوصِيَّةِ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام رُدَّتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ بَعْدَ مَغِيبِهَا فَعَادَ الْوَقْتُ حَتَّى صَلَّى فِي الْوَقْتِ الْعَصْرَ كَرَامَةً لَهُ عليه الصلاة والسلام، وَسُئِلَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ أَحَدُ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ رحمه الله تعالى عَنْ رَجُلٍ قَالَ : إنَّ أَبَا النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي النَّارِ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ مَلْعُونٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : { إنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ } قَالَ وَلَا أَذَى أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُقَالَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ فِي النَّارِ، وَقَالَ الْإِمَامُ السُّهَيْلِيُّ رحمه الله تعالى فِي الرَّوْضِ الْأُنُفِ وَلَيْسَ لَنَا نَحْنُ أَنْ نَقُولَ ذَلِكَ فِي أَبَوَيْهِ عليه الصلاة والسلام لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام : { لَا تُؤْذُوا الْأَحْيَاءَ بِسَبِّ الْأَمْوَاتِ } , وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ { إنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ } . وَقَدْ أَمَرَنَا أَنْ نُمْسِكَ اللِّسَانَ إذَا ذُكِرَ أَصْحَابُهُ رضي الله تعالى عنهم بِشَيْءٍ يَرْجِعُ إلَى الْعَيْبِ أَوْ النَّقْصِ فِيهِمْ، فَلَأَنْ نُمْسِكَ وَنَكُفَّ عَنْ أَبَوَيْهِ أَحَقُّ وَأَحْرَى إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَحَقُّ الْمُسْلِمِ أَنْ يُمْسِكَ لِسَانَهُ عَمَّا يُخِلُّ بِشَرَفِ نَسَبِ نَبِيِّهِ عليه الصلاة والسلام بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ إثْبَاتَ الشِّرْكِ فِي أَبَوَيْهِ إخْلَالٌ ظَاهِرٌ بِشَرَفِ نَسَبِ نَبِيِّهِ الطَّاهِرِ، وَجُمْلَةُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ لَيْسَتْ مِنْ الِاعْتِقَادِيَّاتِ فَلَا حَظَّ لِلْقَلْبِ فِيهَا وَأَمَّا اللِّسَانُ فَحَقُّهُ الْإِمْسَاكُ عَمَّا يَتَبَادَرُ مِنْهُ النُّقْصَانُ خُصُوصًا عِنْدَ الْعَامَّةِ، لِأَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى دَفْعِهِ وَتَدَارُكِهِ هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي هَذَا الْمَقَامِ مِنْ الْمَقَالِ وَقَدْ أَتَى الْعَلَّامَةُ الْخَفَاجِيُّ بِوَجْهٍ آخَرَ نَظَمَهُ , وَفِيهِ أَيْضًا الصَّوَابُ فَقَالَ
لِوَالِدَيْ طَه مَقَامٌ عَلَا فِي جَنَّةِ الْخُلْدِ وَدَارِ الثَّوَابِ
وَقَطْرَةٌ مِنْ فَضَلَاتٍ لَهُ فِي الْجَوْفِ تُنْجِي مِنْ أَلِيمِ الْعِقَابِ
فَكَيْفَ أَرْحَامٌ لَهُ قَدْ غَدَتْ حَامِلَةٌ تُصْلَى بِنَارِ الْعَذَابِ
لِأَنَّ فَضَلَاتِهِ عليه الصلاة والسلام طَاهِرَةٌ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، لِأَنَّ أُمَّ أَيْمَنَ بَرَكَةَ الْحَبَشِيَّةَ شَرِبَتْ بَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَنْ يَلِجَ النَّارَ بَطْنُكِ صَحَّحَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ التِّرْمِذِيُّ دَمُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم طَاهِرٌ لِأَنَّ أَبَا طَيْبَةَ شَرِبَهُ وَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَهُوَ غُلَامٌ حِينَ أَعْطَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم دَمَ حِجَامَتِهِ لِيَدْفِنَهُ فَشَرِبَهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم { مَنْ خَالَطَ دَمُهُ دَمِي لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ } وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ مَذْكُورَةٌ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحَةِ وَذَكَرَهَا فُقَهَاؤُنَا وَتَبِعَهُمْ الشَّافِعِيَّةُ كَالشِّرْبِينِيِّ فِي شَرْحِ الْغَايَةِ وَفُقَهَاءُ الْمَالِكِيَّةِ , وَالْحَنَابِلَةِ فَكَانَتْ كَالْمُجْمَعِ عَلَيْهَا فَحَيْثُ ثَبَتَ أَنَّ فَضَلَاتِهِ عليه الصلاة والسلام تُنْجِي مِنْ النَّارِ فَكَيْفَ مَنْ رُبِّيَ مِنْ دَمِهَا وَلَحْمِهَا وَرُبِّيَ فِي بَطْنِهَا وَمَنْ كَانَ أَصْلُ خِلْقَتِهِ الشَّرِيفَةِ مِنْهُ يَدْخُلُ النَّارَ هَذَا مَا جَرَى بِهِ لِسَانُ الْقَلَمِ , وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .
- المأخذ الثاني : غمز أعين البصائر في شرح الأشباه والنظائر
(كتاب الحظر والإباحة)
ألشيخ أحمد بن محمد الحموي الحنفي
قَوْلُهُ : لِثُبُوتِ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَحْيَاهُمَا لَهُ حَتَّى آمَنَا بِهِ إلَخْ . يَعْنِي لِثُبُوتِ ذَلِكَ فِي حَدِيثٍ ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْحُفَّاظِ , وَلَمْ يَلْتَفِتُوا لِمَنْ طَعَنَ فِيهِ , وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَحْيَاهُمَا لَهُ فَآمَنَا بِهِ خُصُوصِيَّةً لَهُمَا وَمَحَلُّ كَوْنِ الْإِيمَانِ لَا يَنْفَعُ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي غَيْرِ الْخُصُوصِيَّةِ وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام رُدَّتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ بَعْدَ مَغِيبِهَا فَعَادَ الْوَقْتُ حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ أَدَاءً كَرَامَةً لَهُ صلى الله عليه وسلم فَكَذَا هَذَا كَذَا فِي شَرْحِ الْهَمْزِيَّةِ لِابْنِ حَجَرٍ الْهَيْثَمِيِّ هَذَا وَاعْلَمْ أَنَّ السَّلَفَ اخْتَلَفُوا فِي أَبَوَيْ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم هَلْ مَاتَا عَلَى الْكُفْرِ أَمْ لَا فَذَهَبَ إلَى الْأَوَّلِ جَمْعٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ التَّيْسِيرِ وَذَهَبَ إلَى الثَّانِي جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ مُتَمَسِّكِينَ بِأَحَادِيثَ دَالَّةٍ عَلَى طَهَارَةِ نَسَبِهِ الشَّرِيفِ عليه الصلاة والسلام مِنْ دَنَسِ الشِّرْكِ وَشَيْنِ الْكُفْرِ , وَنَفَرٌ مِنْ الْجَمِيعِ الْأَوَّلِ قَالُوا بِنَجَاتِهِمَا مِنْ النَّارِ مِنْهُمْ الْإِمَامُ الْقُرْطُبِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ : إنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَحْيَاهُمَا لَهُ عليه الصلاة والسلام وَآمَنَا بِهِ فَإِنْ قُلْتَ : أَلَيْسَ الْحَدِيثُ الَّذِي وَرَدَ فِي إحْيَائِهِمَا مَوْضُوعًا ؟ قُلْتُ : زَعَمَهُ بَعْضُ النَّاسِ إلَّا أَنَّ الصَّوَابَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ لَا مَوْضُوعٌ وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْحَافِظُ نَاصِرُ الدِّينِ الدِّمَشْقِيُّ حَيْثُ قَالَ : حَبَا اللَّهُ النَّبِيَّ مَزِيدَ فَضْلٍ عَلَى فَضْلٍ فَكَانَ بِهِ رَءُوفَا فَأَحْيَا أُمَّهُ وَكَذَا أَبَاهُ لِإِيمَانٍ بِهِ فَضْلًا لَطِيفَا فَسَلِّمْ فَالْقَدِيمُ بِهِ قَدِيرٌ وَإِنْ كَانَ الْحَدِيثُ بِهِ ضَعِيفَا نَصَّ عَلَى كَوْنِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ ضَعِيفًا لَا مَوْضُوعًا وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ سَيِّدِ النَّاسِ فِي السِّيرَةِ رُوِيَ { أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَآمِنَةَ بْنَةَ وَهْبٍ أَبَوَيْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَسْلَمَا وَأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَحْيَاهُمَا لَهُ فَآمَنَا بِهِ , وَرُوِيَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي حَقِّ جَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ } ثُمَّ قَالَ : وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ قَالَ : { قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ أُمِّي فَقَالَ أُمُّك فِي النَّارِ قُلْتُ فَأَيْنَ مَنْ مَضَى مِنْ أَهْلِكَ قَالَ أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ أُمُّكَ مَعَ أُمِّي } ثُمَّ قَالَ : وَذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْجَمْعِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ مِنْ الْجَائِزِ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ دَرَجَةً حَصَلَتْ لَهُ عليه الصلاة والسلام بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ , وَأَنْ يَكُونَ الْإِحْيَاءُ وَالْإِيمَانُ مُتَأَخِّرًا عَنْ ذَلِكَ فَلَا مُعَارَضَةَ انْتَهَى مُلَخَّصًا . وَسَأَلَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ أَحَدَ الْأَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ عَنْ رَجُلٍ قَالَ : إنَّ أَبَا النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي النَّارِ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ مَلْعُونٌ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ { إنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ } قَالَ : وَلَا أَذَى أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُقَالَ عَنْ أَبِيهِ : إنَّهُ فِي النَّارِ . وَقَالَ الْإِمَامُ السُّهَيْلِيُّ فِي الرَّوْضِ الْأُنُفِ : وَلَيْسَ لَنَا نَحْنُ أَنْ نَقُولَ ذَلِكَ فِي أَبَوَيْهِ صلى الله عليه وسلم لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم : { لَا تُؤْذُوا الْأَحْيَاءَ بِسَبِّ الْأَمْوَاتِ } . وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ { إنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } الْآيَةَ وَقَدْ أُمِرْنَا أَنْ نُمْسِكَ اللِّسَانَ إذَا ذَكَرَ أَصْحَابَهُ رضي الله عنهم بِشَيْءٍ يَرْجِعُ ذَلِكَ إلَى الْعَيْبِ وَالنَّقْصِ فِيهِمْ فَلَأَنْ نُمْسِكَ وَنَكُفَّ عَنْ أَبَوَيْهِ أَحَقُّ وَأَحْرَى إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَحَقُّ الْمُسْلِمِ أَنْ يُمْسِكَ لِسَانَهُ عَمَّا يُخِلُّ بِشَرَفِ نَبِيِّهِ عليه الصلاة والسلام بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ إثْبَاتَ الشِّرْكِ فِي أَبَوَيْهِ إخْلَالٌ ظَاهِرٌ بِشَرَفِ نَسَبِ نَبِيِّهِ الطَّاهِرِ فَجُمْلَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَيْسَتْ مِنْ الِاعْتِقَادَاتِ فَلَا حَظَّ لِلْقَلْبِ مِنْهَا , وَأَمَّا لِلِّسَانِ فَحَقُّهُ الْإِمْسَاكُ عَمَّا يَتَبَادَرُ مِنْهُ النُّقْصَانُ خُصُوصًا إلَى وَهْمِ الْعَامَّةِ ; لِأَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى دَفْعِهِ وَتَدَارُكِهِ هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي هَذَا الْمَقَامِ مِنْ الْكَلَامِ , وَاَللَّهُ وَلِيُّ الْفَضْلِ وَالْإِنْعَامِ
المأخذ الثالث : كتاب فتاوى الرملي (من قال لأحد من أبآء رسول الله)
الشيخ أحمد بن أحمد الرملي
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ : وَفِيهِ نَظَرٌ , وَذَلِكَ أَنَّ فَضَائِلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَخَصَائِصَهُ لَمْ تَزَلْ تَتَوَالَى وَتَتَتَابَعُ إلَى حِينِ مَمَاتِهِ فَيَكُونُ هَذَا مِمَّا فَضَّلَهُ اللَّهُ تَعَالَى , وَأَكْرَمَهُ بِهِ وَلَيْسَ إحْيَاؤُهُمَا , وَإِيمَانُهُمَا بِهِ يَمْتَنِعُ عَقْلًا وَلَا شَرْعًا فَقَدْ وَرَدَ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ إحْيَاءُ قَتِيلِ بَنِي إسْرَائِيلَ , وَإِخْبَارُهُ بِقَاتِلِهِ وَكَانَ عِيسَى عليه الصلاة والسلام يُحْيِي الْمَوْتَى وَكَذَلِكَ نَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم أَحْيَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى يَدَيْهِ جَمَاعَةً مِنْ الْمَوْتَى فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ إيمَانِهِمَا بَعْدَ مَوْتِهِمَا زِيَادَةً فِي كَرَامَتِهِ وَفَضِيلَتِهِ مَعَ مَا وَرَدَ مِنْ الْخَبَرِ فِي ذَلِكَ فَيَكُونُ ذَلِكَ خُصُوصًا فِيمَنْ مَاتَ كَافِرًا وَقَوْلُهُ فَمَنْ مَاتَ كَافِرًا إلَى آخِرِ كَلَامِهِ مَرْدُودٌ لِمَا رُوِيَ مِنْ الْخَبَرِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَدَّ الشَّمْسَ عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ مَغِيبِهَا ذَكَرَهُ أَبُو حَفْصٍ الطَّحَاوِيُّ وَقَالَ إنَّهُ حَدِيثُ ثَابِتٍ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ رُجُوعُ الشَّمْسِ نَافِعًا , وَأَنَّهُ لَا يَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ الْوَقْتِ لَمَا رَدَّهَا عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ يَكُونُ إحْيَاءُ أَبَوَيْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَافِعًا لِإِيمَانِهِمَا وَتَصْدِيقِهِمَا بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ قَبِلَ اللَّهُ تَعَالَى إيمَانَ قَوْمِ يُونُسَ وَتَوْبَتَهُمْ مَعَ تَلَبُّسِهِمْ بِالْعَذَابِ فِيمَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْأَقْوَالِ , وَهُوَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ . وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الْآيَةِ فَيَكُونُ ذَلِكَ قَبْلَ إيمَانِهِمْ وَكَوْنِهِمَا فِي الْعَذَابِ . ا هـ . وَقَالَ الْحَافِظُ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ نَاصِرٍ الدِّمَشْقِيُّ : حَبَا اللَّهُ النَّبِيَّ مَزِيدَ فَضْلٍ عَلَى فَضْلٍ وَكَانَ بِهِ رَءُوفًا فَأَحْيَا أُمَّهُ وَكَذَا أَبَاهُ لِإِيمَانٍ بِهِ فَضْلًا لَطِيفًا فَسَلِّمْ فَالْقَدِيمُ بِذَا قَدِيرٌ , وَإِنْ كَانَ الْحَدِيثُ بِهِ ضَعِيفًا وَحِينَئِذٍ فَقَدْ صَارُوا مِنْ السُّعَدَاءِ الْفَائِزِينَ لقوله تعالى { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ } وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم { الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ } وقوله تعالى { وَلَسَوْفَ يُعْطِيك رَبُّك فَتَرْضَى } وَمِنْ رِضَاهُ صلى الله عليه وسلم أَنْ لَا يَدْخُلَ أَحَدٌ مِنْ أَبَوَيْهِ النَّارَ وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم { سَأَلْت رَبِّي أَنْ لَا يُدْخِلَ النَّارَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ بَيْتِي فَأَعْطَانِي ذَلِكَ } أَوْرَدَهُ الْحَافِظُ مُحِبُّ الدِّينِ الطَّبَرِيُّ فِي كِتَابِهِ ذَخَائِرِ الْعُقْبَى وَلِهَذَا لَمَّا سُئِلَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ أَحَدُ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ عَنْ رَجُلٍ قَالَ إنَّ أَبَا النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي النَّارِ فَأَجَابَ بِأَنَّ مَنْ قَالَ إنَّ أَبَا النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي النَّارِ فَهُوَ مَلْعُونٌ لقوله تعالى { إنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ } قَالَ وَلَا أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُقَالَ عَنْ أَبِيهِ إنَّهُ فِي النَّارِ فَإِنْ قِيلَ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى كَوْنِهِمَا لَمْ يَكُونَا كَافِرَيْنِ أَنَّهُمَا مَاتَا قَبْلَ الْبَعْثَةِ وَلَا تَعْذِيبَ قَبْلَهَا لِقَوْلِهِ { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا } وَقَدْ أَطْبَقَتْ أَئِمَّةُ الْأَشْعَرِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْأُصُولِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ وَلَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ يَمُوتُ نَاجِيًا , وَأَنَّهُ لَا يُقَاتَلُ حَتَّى يُدْعَى إلَى الْإِسْلَامِ ؟
المأخذ الربع : كتاب الفواكه الدواني (باب ما تنطق به الألسنة)
ألشيخ أحمد بن غانم بن سالم المالكي
وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ صَرَّحَ فِي الْفِقْهِ الْأَكْبَرِ بِأَنَّ أَبَوَيْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَاتَا عَلَى الْكُفْرِ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْمَعْرِفَةِ بِالْعَقْلِ , نَعَمْ إنْ وَرَدَ نَصٌّ صَحِيحٌ أَنَّ اللَّهَ أَحْيَاهُمَا وَآمَنَا بِهِ صلى الله عليه وسلم وَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ , وَقَدْ وَرَدَ النَّصُّ بِأَنَّ أَبَا إبْرَاهِيمَ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ لقوله تعالى : { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ } وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ كَانَ عَمَّهُ عُدُولٌ عَنْ الظَّاهِرِ . قَالَ الْعَلَّامَةُ الْأُجْهُورِيُّ : وَاحْتَجَّ بَعْضُ مَشَايِخِنَا إلَى تَرْجِيحِ الْقَوْلِ بِأَنَّ أَهْلَ الْفَتْرَةِ نَاجُونَ فَيَكُونُونَ فِي الْجَنَّةِ , وَكَذَلِكَ أَبَوَيْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَاجِيَانِ وَلَيْسَا فِي النَّارِ بِالْمَوْتِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ وَلَا تَعْذِيبَ قَبْلَهَا لقوله تعالى : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا } وَدُخُولُ الْجَنَّةِ لَا يُنَالُ بِعَمَلٍ وَإِنَّمَا هُوَ بِمَحْضِ الْفَضْلِ , وَالنَّارُ إنَّمَا تَكُونُ لِلْكَافِرِ وَالْعَاصِي , وَمَنْ مَاتَ قَبْلَ الْبَعْثَةِ لَمْ يُتَصَوَّرْ عِصْيَانُهُ , وَأَيْضًا أَطْبَقَتْ الْأَئِمَّةُ الْأَشَاعِرَةُ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْأُصُولِ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ وَلَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ يَمُوتُ نَاجِيًا لَا عِقَابَ عَلَيْهِ وَلَا ثَوَابَ لَهُ .
المأخذ الخامس : بريقة محمودية (والأموات حكم سبهم)
الشيخ محمد بن محمد بن مصطفى الحنفي
( وَالْأَمْوَاتُ ) فِي الْجَامِعِ أَيْضًا { لَا تَسُبُّوا الْأَمْوَاتَ } قَالَ الْمُنَاوِيُّ أَيْ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ سَبَّ الْكُفَّارِ قُرْبَةٌ { فَإِنَّهُمْ أَفْضَوْا إلَى مَا قَدَّمُوا } وَفِي رِوَايَةٍ { فَتُؤْذُوا الْأَحْيَاءَ} . قَالَ الْمُنَاوِيُّ أَيْ مِنْ بَيْتِهِ وَأَقَارِبِهِ أُخِذَ مِنْهُ جَمْعُ حُرْمَةِ ذِكْرِ أَبَوَيْ النَّبِيِّ صلى الله تعالى عليه وسلم بِمَا فِيهِ نَقْصٌ فَإِنَّ ذَلِكَ يُؤْذِيهِ وَأَذَاهُ كُفْرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهَا وَقَدْ أَطْنَبَ الْمُصَنِّف فِي الِاسْتِدْلَالِ لِعَدَمِ الْحُكْمِ عَلَيْهِمَا بِكُفْرٍ انْتَهَى لَعَلَّهُ يُرِيدُ رِسَالَةً مُسْتَقِلَّةً لِلسُّيُوطِيِّ فِي حَقِّ إسْلَامِ أَبَوَيْهِ صلى الله تعالى عليه وسلم بِطُرُقٍ ثَلَاثَةٍ لَعَلَّك سَمِعْتهَا فِيمَا قِيلَ وَأَيْضًا وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ سَبِّ الرِّيحِ بِحَدِيثِ { لَا تَسُبُّوا الرِّيحَ فَإِنَّهَا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ } بَلْ عَنْ سَبِّ الشَّيْطَانِ بِحَدِيثِ { لَا تَسُبُّوا الشَّيْطَانَ } . قَالَ الْمُنَاوِيُّ فَإِنَّ السَّبَّ لَا يَدْفَعُ عَنْكُمْ ضَرَرَهُ وَلَا يُغْنِي عَنْكُمْ مِنْ عَدَاوَتِهِ شَيْئًا
المأخذ السادس : كتاب رد المختار على در المختار (باب نكاح الكافر)
محمد أمين بن عمر الحنفي
مَطْلَبٌ فِي الْكَلَامِ عَلَى أَبَوَيْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَهْلِ الْفَتْرَةِ وَلَا يُقَالُ : إنَّ فِيهِ إسَاءَةَ أَدَبٍ لِاقْتِضَائِهِ كُفْرَ الْأَبَوَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ مَعَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحْيَاهُمَا لَهُ وَآمَنَا بِهِ كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثٍ ضَعِيفٍ . لِأَنَّا نَقُولُ : إنَّ الْحَدِيثَ أَعَمُّ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ وَأَبِي نُعَيْمٍ وَابْنِ عَسَاكِرَ { خَرَجْت مِنْ نِكَاحٍ وَلَمْ أَخْرُجْ مِنْ سِفَاحٍ مِنْ لَدُنْ آدَمَ إلَى أَنْ وَلَدَنِي أَبِي وَأُمِّي لَمْ يُصِبْنِي مِنْ سِفَاحِ الْجَاهِلِيَّةِ شَيْءٌ } وَإِحْيَاءُ الْأَبَوَيْنِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا لَا يُنَافِي كَوْنَ النِّكَاحِ كَانَ فِي زَمَنِ الْكُفْرِ . وَلَا يُنَافِي أَيْضًا مَا قَالَهُ الْإِمَامُ فِي الْفِقْهِ الْأَكْبَرِ مِنْ أَنَّ وَالِدَيْهِ صلى الله عليه وسلم مَاتَا عَلَى الْكُفْرِ , وَلَا مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ { اسْتَأْذَنْت رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي } وَمَا فِيهِ أَيْضًا { أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ أَبِي ؟ قَالَ : فِي النَّارِ , فَلَمَّا قَفَّا دَعَاهُ إنَّ أَبِي وَأَبَاك فِي النَّارِ } لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ الْإِحْيَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ , وَكَوْنُ الْإِيمَانِ عِنْدَ الْمُعَايَنَةِ غَيْرُ نَافِعٍ فَكَيْفَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَذَاكَ فِي غَيْرِ الْخُصُوصِيَّةِ الَّتِي أَكْرَمَ اللَّهُ بِهَا نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال عَلَى نَجَاتِهِمَا بِأَنَّهُمَا مَاتَا فِي زَمَنِ الْفَتْرَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أُصُولِ الْأَشَاعِرَةِ أَنَّ مَنْ مَاتَ وَلَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَى يَمُوتُ نَاجِيًا , أَمَّا الْمَاتُرِيدِيَّةُ , فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةٍ يُمْكِنُهُ فِيهَا التَّأَمُّلُ وَلَمْ يَعْتَقِدْ إيمَانًا وَلَا كُفْرًا فَلَا عِقَابَ عَلَيْهِ , بِخِلَافِ مَا إذَا اعْتَقَدَ كُفْرًا أَوْ مَاتَ بَعْدَ الْمُدَّةِ غَيْرَ مُعْتَقِدٍ شَيْئًا . نَعَمْ الْبُخَارِيُّونَ مِنْ الْمَاتُرِيدِيَّةِ وَافَقُوا الْأَشَاعِرَةَ , وَحَمَلُوا قَوْلَ الْإِمَامِ لَا عُذْرَ لِأَحَدٍ فِي الْجَهْلِ بِخَالِقِهِ عَلَى مَا بَعْدَ الْبِعْثَةِ , وَاخْتَارَهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي التَّحْرِيرِ , لَكِنْ هَذَا فِي غَيْرِ مَنْ مَاتَ مُعْتَقِدًا لِلْكُفْرِ , فَقَدْ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ وَالْفَخْرُ الرَّازِيُّ بِأَنَّ مَنْ مَاتَ قَبْلَ الْبِعْثَةِ مُشْرِكًا فَهُوَ فِي النَّارِ , وَعَلَيْهِ حَمَلَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ مَا صَحَّ مِنْ الْأَحَادِيثِ فِي تَعْذِيبِ أَهْلِ الْفَتْرَةِ بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يُشْرِكْ مِنْهُمْ وَلَمْ يُوجَدْ بَلْ بَقِيَ عُمُرُهُ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا كُلِّهِ فَفِيهِمْ الْخِلَافُ , وَبِخِلَافِ مَنْ اهْتَدَى مِنْهُمْ بِعَقْلِهِ كَقُسِّ بْنِ سَاعِدَةَ وَزَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ فَلَا خِلَافَ فِي نَجَاتِهِمْ , وَعَلَى هَذَا فَالظَّنُّ فِي كَرَمِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَكُونَ أَبَوَاهُ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَحَدِ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ , بَلْ قِيلَ إنَّ آبَاءَهُ صلى الله عليه وسلم كُلَّهُمْ مُوَحِّدُونَ لقوله تعالى { وَتَقَلُّبُك فِي السَّاجِدِينَ } لَكِنْ رَدَّهُ أَبُو حَيَّانَ فِي تَفْسِيرِهِ بِأَنَّ قَوْلَ الرَّافِضَةِ وَمَعْنَى الْآيَةِ وَتَرَدُّدُك فِي تَصَفُّحِ أَحْوَالِ الْمُتَهَجِّدِينَ فَافْهَمْ . وَبِالْجُمْلَةِ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ : أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي ذِكْرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَّا مَعَ مَزِيدِ الْأَدَبِ . وَلَيْسَتْ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَضُرُّ جَهْلُهَا أَوْ يُسْأَلُ عَنْهَا فِي الْقَبْرِ أَوْ فِي الْمَوْقِفِ , فَحِفْظُ اللِّسَانِ عَنْ التَّكَلُّمِ فِيهَا إلَّا بِخَيْرٍ أَوْلَى وَأَسْلَمُ , وَسَيَأْتِي زِيَادَةُ كَلَامٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ الْمُرْتَدِّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَتَوْبَةُ الْيَأْسِ مَقْبُولَةٌ دُونَ إيمَانِ الْيَأْسِ