Download kitab pdf terlengkap AswajaPedia Klik di sini

اَيُّهَا الْوَلَدُ || Ayyuhal Walad


اَيُّهَا الْوَلَدُ

فِى
نَصِيْحَةِ الْمُتَعَلِّمِيْنَ وَمَوْعِظَتِهِمْ لِيَعْلَمُوْا وَيُمَيِّزُوْا عِلْمًا نَافِعًا مِنْ غَيْرِهِ

تأليف

الإمام أبي حامد محمد بن محمد الغزالي



سَبَبُ تَأْلِيْفِ هٰذِهِ الرِّسَالَةِ:
اَلْحَمْدُ لِلّٰـهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ وَآٰلِهٖ أَجْمَعِيْنَ.

إِعْلَمْ أَنَّ وَاحِدًا مِنَ الطَّلَبَةِ الْمُتَقَدِّمِيْنَ، لَازَمَ خِدْمَةَ الشَّيْخِ الْإِمَامِ زَيْنِ الدِّيْنِ حُجَّةِ الْإِسْلَامِ أَبِي حَامِدْ مُحَمَّدْ بْنِ مُحَمَّدْ الْغَزَالِي رَحِمَهُ اللهُ، وَاشْتَغَلَ بِالتَّحْصِيْلِ وَقِرَاءَةِ الْعِلْمِ عَلَيْهِ، حَتَّى جَمَعَ دَقَائِقِ الْعُلُوْمِ، وَاسْتَكْمَلَ فَضَائِلَ النَّفْسِ، ثمَّ إِنَّهُ تَفَكَّرَ يَوْمًا فِي حَالِ نَفْسِهِ، وَخَطَرَ عَلَى بَالِهِ فَقَالَ: إِنِّي قَرَأْتُ أَنْوَاعًا مِنَ الْعُلُوْمِ، وَصَرَفْتُ فَي رَيْعَان عُمْرِيْ عَلَى تَعَلُّمِهَا وَجَمْعِهَا، وَالْآَنَ يَنْبَغِي لِى أَنْ أَعْلَمَ أَيُّ نَوْعِهَا يَنْفَعُنِي غَدًا وَيُؤَنِّسُنِي فِي قَبْرِي؟ وَأَيُهَا لَا يَنْفَعُنِي حَتَّى أَتْرُكَهُ؟.
كَمَا قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اَللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوْذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ" رواه مسلم وغيره. " اَللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوْذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ" رواه مسلم وغيره. فَاسْتَمَرَّتْ لَهُ هٰذِهِ الْفِكْرَةُ حَتَّى كَتَبَ اِلَى حَضْرَةِ الشَّيْخِ حُجَّةِ الْإِسْلَامِ مُحَمَّدٍ الْغَزَالِي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى اِسْتِفْتَاءً، وَسَأَلَ عَنْهُ مَسَائِلَ، وَالْتَمَسَ مِنْهُ نَصِيْحَةً وَدُعَاءً. قَالَ: وَإِنْ كَانَتْ مُصَنَّفَاتُ الشَّيْخِ كَالْإِحْيَاءِ وَغَيْرِهِ تَشْتَمِلُ عَلَى جَوَابِ مَسَائِلِي، لَكِنْ مَقْصُوْدِي أَنْ يَكْتُبَ الشَّيْخُ حَاجَتِي فِي وَرَقَاتٍ تَكُوْنُ مَعِي مُدَّةَ حَيَاتِي وَأَعْمَلُ بِمَا فِيْهَا مُدَّةَ عُمْرِي إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى. فَكَتَبَ الشَّيْخُ هٰذِهِ الرِّسَالَةَ إِلَيْهِ فِي جَوَابِهِ.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيْمِ
اِعْلَمْ أَيُّهَا الْوَلَدُ الْمُحِبُّ الْعَزِيْزُ ـ أَطَالَ اللهُ تَعَالَى بَقَاءَكَ بِطَاعَتِهِ، وَسَلَكَ بِكَ سَبِيْلَ أَحِبَّائِهِ ـ أَنَّ مَنْشُوْرَ النَّصِيْحَةِ يُكْتَبُ مِنْ مَعْدِنِ الرِّسَالَةِ، إِنْ كَانَ قَدْ بَلَغَكَ مِنْهُ نَصِيْحَةٌ فَأَيُّ حَاجَةٍ لَكَ فِي نَصِيْحَتِي؟ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْكَ فَقُلْ لِي: مَاذَا حَصَّلْتُ فِي هٰذِهِ السِّنِيْنَ الْمَاضِيَةْ!!!

أَيُّهَا الْوَلَدُ..!!
مِنْ جُمْلَةِ مَا نَصَح َبِهِ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أُمَّتَهُ صلى الله عليه وسلم قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام:" عَلَامَةُ إِعْرَاضِ اللهِ تَعَالَى عَنِ الْعَبْدِ اِشْتِغَالُهُ بِمَا لَا يَعْنِيْهِ، وَإِنَّ امْرَأً ذَهَبَتْ سَاعَةٌ مِنْ عُمْرِهِ فِي غَيْرِ مَا خُلِقَ لَهُ مِنَ الْعِبَادَةِ لَجَدِيْرٌ أَنْ تَطُوْلَ عَلَيْهِ حَسْرَتُهُ، وَمَنْ جَاوَزَ الْأَرْبَعِيْنَ وَلَمْ يَغْلِبْ خَيْرُهُ عَلَى شَرِّهِ فَلْيَتَجَهَّزْ اِلَى النَّارِ" . قال النبي صلى الله عليه وسلم:" مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُ مَا لَا يَعْنِيْهِ" رواه أحمد وغيره. وَفِي هٰذِهِ النَّصِيْحَةِ كِفَايَةُ لِأَهْلِ الْعِلْمِ.

أَيُّهَا الْوَلَدُ..!!
النَّصِيْحَةُ سَهْلَةٌ، وَالْمُشْكِلُ قَبُوْلُهَا، لِأَنَّهَا فِي مَذَاقِ مُتَّبِعِي الْهَوَى مُرَّةٌ، إِذِ الْمَنَاهِي مَحْبُوْبَةٌ فِي قُلُوْبِهِمْ وَعَلَى الْخُصُوْصِ لِمَنْ كَانَ طَالِبَ عِلْمِ الرَّسْمِيِّ وَمُشْتَغِلًا فِي فَضْلِ النَّفْسِ وَمَنَاقِبِ الدُّنْيَا، فَإِنَّهُ يَحْسَبُ أَنَّ الْعِلْمَ الْمُجَرَّدَ لَهَ سَيَكُوْنَ نَجَاتَهُ وَخَلَاصَهُ فِيْهِ، وَأَنَّهُ مُسْتَغْنٍ عَنِ الْعَمَلِ، وَهٰذَا اِعْتِقَادُ الْفَلَاسِفَةِ. ( أي العلم بلا عمل). سُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيْمِ!! لَا يَعْلَمَ هٰذَا الْمَغْرُوْرُ أَنَّهُ حِيْنَ حَصَّلَ الْعِلْمَ إِذَا لَمْ يَعْمَلْ بِهِ تَكُوْنُ الْحُجَّةُ عَلَبْهِ آكَدَ، كَمَا قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَالِمٌ لَايَنْفَعُهُ اللهُ بِعِلْمِهِ ". رواه الطبراني والبيهقي . " أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَالِمٌ لَايَنْفَعُهُ اللهُ بِعِلْمِهِ ". رواه الطبراني والبيهقي . وَرُوِيَ أَنَّ الْجُنَيْدَ قَدَّسَ اللهُ سِرَّهُ رُؤِيَ فِي الْمَنَامِ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَقِيْلَ لَهُ: مَا الْخَبَرُ يَا أَبَا الْقَاسِمِ؟ قَالَ: طَاحَتْ تِلْكَ الْعِبَارَاتُ، وَفَنِيَتْ تِلْكَ الْإِشَارَاتُ، وَمَا نَفَعَنَا إِلَّا رُكَيْعَاتٌ رَكَعْنَاهَا فِي جَوْفِ اللَّيْلِ.

أَيُّهَا الْوَلَدُ..!!
لَا تَكُنْ مِنَ الْأَعْمَالِ مُفْلِسًا، وَلَا مِنَ الْأَحْوَالِ خَالِيًا، وَتَيَقَّنْ أَنَّ الْعِلْمَ الْمُجَرَّدَ لَا يَأْخُذُ بِالْيَدِ. مِثَالُهُ لَوْ كَانَ عَلَى رَجُلٍ فِي بِّريَّةٍ عَشَرَةُ أَسْيَافٍ هِنْدِيَّةٍ مَعَ أَسْلِحَةٍ أُخْرَى، وَكَانَ الرَّجُلُ شُجَاعًا وَأَهْلَ حَرْبٍ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ أَسَدٌ عَظِيْمٌ مَهِيْبٌ، فَمَا ظَنُّكَ؟ هَلْ تَدْفَعُ الْأَسْلِحَةُ شَرَّهُ عَنْهُ بِلَا اسْتِعْمَالِهَا اَوْضَرْبِهَا؟! وَمِنَ الْمَعْلُوْمِ أَنَّهَا لَاتَدْفَعُ إِلَّا بِالتَّحْرِيْكِ وِالضَّرْبِ، فَكَذٰا لَوْ قَرَأَ رَجُلٌ مِائَةَ أَلْفِ مَسْأَلَةٍ عِلْمِيَّةٍ وَتَعَلَّمَهَا، وَلَمْ يَعْمَلْ بِهَا: لَا تُفِيْدُهُ إِلَّا بْالْعَمَلِ. وَمِثَالُهُ أَيْضًا: لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ حَرَارَةٌ وَمَرَضٌ صَفْرَاوِيٌّ يَكُوْنُ عِلَاجُهُ بالسَّكَنْجَبِينِ وَالْكُشْكَابِ فَلَا يَحْصُلُ الْبَرْءُ إِلَّا بِاسْتِعْمَالِهِمَا.
(((السكنجبين والكشكاب: دواءان لعلاج الحمى الصفراء)))

كَرْمِى دُوهْزَارْ رِطْلٍ هَمِى بِيِيْمَائِي # تَامِى نُخُوْرِي نَبَاشَدَتْ شِيْدَائِي

لَوْ كِلْتَ أَلْفَيْ رِطْلِ خَمْرٍ لَمْ تَكُنْ # لتَصِيْرَ نُشُوْنًا إِذَا لَمْ تَشْرَبْ

أيها الولد..!!
وَلَوْ قَرَأْتَ الْعِلْمَ مِائَةَ سَنَةٍ، وَجَمَعْتَ أَلْفَ كِتَابٍ، لَا تَكُوْنُ مُسْتَعِدًّا لِرَحْمَةِ اللهِ تَعَالَى إِلَّا بِالْعَمَلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [ النجم:٣٩]،
وقولِهِ تعالى:{ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوْ لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا} [ الكهف: ١١٠]، وقولِهِ تعالى:{ جَزَاءً بِمَا كَانُوْا يَكْسِبُوْنَ} [ التوبة: ٨٢]، وقولِهِ تعالى:{ إِنَّ الَّذِيْنَ آٰمَنُوْا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا * خَالِدِيْنَ فِيْهَا لَايَبْغُوْنَ عَنْهَا حِوَلًا} [ الكهف: ١٠٧ ـ ١٠٨]، وقولِهِ تعالى:{ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ، إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا } [ مريم: ٥٩-٦٠]. وَمَا تَقُوْلُ فِي هٰذَاالْحَدِيْثِ؟ " بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلٰهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُوْلُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيْتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَحَجِّ الْبَيْتِ لِمَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيْلًا" رواه البخاري ومسلم. وَالْإِيْمَانُ: قَوْلٌ بِاللِّسَانِ، وَتَصْدِيْقٌ بِالْجَنَانِ، وَعَمَلٌ بِالْأَرْكَانِ.
وَدَلِيْلُ الَأْعْمَالِ أَكْثُرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ يَبْلُغُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ اللهِ تَعَالَى وَكَرَمِهِ، لَكِنْ بَعْدَ أَنْ يَسْتَعِدَّ بِطَاعَتِهِ وَعِبَادَتِهِ، لِأَنَّ رَحْمَةَ اللهِ قَرِيْبٌ مِنَ الْمُحْسِنِيْنَ. وَلَوْ قِيْلَ أَيْضًا: يَبْلُغُ بِمُجَرَّدِ الْإِيْمَانِ. قُلْنَا: نَعَمْ لَكِنْ مَتَى يَبْلُغُ؟ وَكَمْ مِنْ عَقَبَةٍ كَئُوْدٍ يَقْطَعُهَا اِلَى أَنْ يَصِلَ؟. فَأَوَّلُ تِلْكَ الْعَقَبَاتِ: عَقَبَةُ الْإِيْمَانِ: وَأَنَّهُ هَلْ يَسْلَمُ مِنْ سَلْبِ الْإِيْمَانِ أَمْ لَا؟. وَإِذَا وَصَلَ هَلْ يَكُوْنُ خَائِبًا مُفْلِسًا؟. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: يَقُوْلُ اللهُ تَعَالَى لِعِبَادِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: ادْخُلُوْا يَا عِبَادِي الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي وَاقْتَسِمُوْهَا بِأَعْمَالِكُمْ.

أَيُّهَا الْوَلَدُ..!!
مَا لَمْ تَعْمَلْ لَمْ تَجِدِ الْأَجْرَ. حُكِيَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيْلَ عَبَدَ اللهَ تَعَالَى سَبْعِيْنَ سَنَةً، فَأَرَادَ اللهُ تَعَالَى أَنْ يَجْلُوَهُ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَأَرْسَلَ اللهُ إِلَيْهِ مَلَكًا يُخْبِرُهُ أَنَّهُ مَعَ تِلْكَ الْعِبَادَةِ لَا يَلِيْقُ بِهِ دُخُوْلُ الْجَنَّةِ، فَلَمَّا بَلَغَهُ قَالَ الْعَابِدُ: نَحْنُ خُلِقْنَا لِلْعِبَادَةِ، فَيَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَعْبُدَهُ. فَلَمَّا رَجَعَ الْمَلَكُ قاَلَ الله تعالى: ماذا قال عبدي؟ قَالَ: إِلٰهِي، أَنْتَ أَعْلَمُ بِمَا قَالَ، فَقَالَ اللهُ تَعَالَى: إِذَا هُوَ لَمْ يُعْرِضْ عَنْ عِبَادَتِنَا، فَنَحْنُ ـ مَعَ الْكَرَمِ ـ لَا نُعْرِضُ عَنْهُ، إِشْهَدُوْا يَا مَلَائِكَتِي أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُ. وَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" حَاسِبُوْا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوْا، وَزِنُوْا أَعْمَالَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُوْزَنُوْا" روى الترمذي هذا الحديث موقوفا على عمر بألفاظ مشابهة. وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ بِدُوْنِ الْجَهْدِ يَصِلُ فَهُوَ مُتَمَنٍّ، وَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ يِبَذْلِ الْجَهِدِ يَصِلُ فَهُوَ مُسْتَغْنٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: طَلَبُ الْجَنَّةِ بِلَا عَمَلٍ ذَنْبٌ مِنَ الذُّنُوْبِ. وَقَالَ: عَلَامَةُ الْحَقِيْقَةِ تَرْكُ مُلَاحَظَةِ الْعَمَلِ لَا تَرْكُ الْعَمَلِ. وَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ، وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْأَحْمَقُ مَنْ إِتَّبَعَ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللهِ تعالى الْأَمَانِيَّ". رواه الترمذي وقال: حديث حسن.

أَيُّهَا الْوَلَدُ..!!
كَمْ مِنْ لَيَالٍ أَحْيَيْتَهَا بِتَكْرَارِ الْعِلْمِ وَمُطَالَعَةِ الْكُتُبِ، وَحَرَّمْتَ عَلَى نَفْسِكَ النَّوْمَ؛ لَا أَعْلَمُ مَا كَانَ الْبَاعِثُ فِيْهِ؟ إِنْ كَانَتْ (نيتك) نَيْلَ عَرَضَ الدُّنْيَا، وَجَذْبَ حُطَامِهَا وَتَحْصِيْلَ مَنَاصِبِهَا، وَالْمُبَاهَاةَ عَلَى الْأَقْرَانِ وَالْأَمْثَالِ، فَوَيْلٌ لَكَ ثُمَّ وَيْلٌ لَكَ. وَإِنْ كَانَ قَصْدُكَ فِيْهِ إِحْيَاءَ شَرِيْعَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَهْذِيْبَ أَخْلَاقِكَ، وَكَسْرَ النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ بِالسُّوْءِ، فَطُوْبَى لَكَ ثُمَّ طُوْبَى لَكَ، وَلَقَدْ صَدَقَ مَنْ قَالَ شِعْرًا:

سَهَرُ الْعُيُوْنِ لِغَيْرِ وَجْهِكَ ضَائِعُ *** وَبُكَاؤُهُنَّ لِغَيْرِ فَقْدِكَ بَاطِلُ

أَيُّهَا الْوَلَدُ..!!
عِشْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ، وَأحْبِبْ مَنْ شِئْتَ فَإِنَّكَ مُفَارِقُهُ وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَجْزِيٌّ بِهِ.
(((عن سهل بن محمد رضي الله عنهما قال: جاء جبريل الى النبي محمد صلى الله عليه وسلم فقال:" يا محمد: عش ما شئت فإنك ميت، واعمل ماشئت، فإنك مجزي به، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل، وعزه استغناؤه عن الناس" رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن. أنظر الترغيب والترهيب 1\431))).

أَيُّهَا الْوَلَدُ..!!
أَيُّ شَيْءٍ حَاصِلٌ لَكَ مِنْ تَحْصِبْلِ عِلْمِ الْكَلَامِ وَالْخِلَافِ وَالطِّبِّ وَالدَّوَاوِيْنِ وَالْأَشْعَارِ وَالنُّجُوْمِ وَالْعَرُوْضِ وَالنَّحْوِ وَالتَّصْرِيْفِ: غَيْرُ تَضْيِيْعِ الْعُمْرِ بِخِلَافِ ذِي الْجَلَالَ. إِنِّي رَأَيْتُ فِي الْإِنْجِيْلِ أَنَّ عِيْسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَلَامُ قَالَ: مِنْ سَاعَة أَنْ يُوْضَعَ الْمَيِّتُ عَلَى الْجَنَازَةِ إِلَى أَنْ يُوْضَعَ عَلَى شَفِيْرِ الْقَبْرِ يَسْأَلُ اللهُ بِعَظَمَتِهِ مِنْهُ أَرْبَعِيْنَ سُؤَالًا، أًوَّلُهَا يَقُوْلُ:" عَبْدِي.. طَهَّرْتَ مَنْظَرَ الْخَلْقِ سِنِيْنَ وَمَا طَهَّرْتَ مَنْظَرِي سَاعَةً"، وَكُلَّ يَوْمٍ يَنْظُرُ فِي قَلْبِكَ يَقُوْلُ اللهُ تَعَالَى:" مَا تَصْنَعُ لِغَيْرِي وَأَنْتَ مَحْفُوْفٌ بِخَيْرِي"!!! أَمَّا أَنْتَ فَأَصَمُّ لَا تَسْمَعُ؟!!!

أَيُّهَا الْوَلَدُ..!!
الْعِلْمُ بِلَا عَمَلٍ جُنُوْنٌ، وَالْعَمَلُ بِغَيْرِ عِلْمٍ لَا يَكُوْنُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْعِلْمَ الَّذِى لَا يُبْعِدُكَ الْيَوْمَ عَنِ الْمَعَاصِي، وَلَا يَحْمِلُكَ عَلَى الطَّاعَةِ لَنْ يُبْعِدَكَ غَدًا عَنِ نَارِ جَهَنَّمَ، وَإِذَا لَمْ تَعْمَلْ بِعِلْمِكَ الْيَوْمَ، وَلَمْ تَدَارَكْ الْأَيَّامَ الْمَاضِيَةَ تَقُوْلُ غَدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ: فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا، فَيُقَالُ: يَا أَحْمَقُ أَنْتَ مِنْ هُنَاكَ تَجِيْءَ.
(((قال تعالى:{ ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا سمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون} [ السجدة: ١٢]))).

أَيُّهَا الْوَلَدُ..!!
اِجْعَلْ الْهِمَّةَ فِي الرُّوْحِ، وَالْهَزِيْمَةَ فِي النَّفسِ، وَالْمَوْتَ فِي الْبَدَنِ، لِأَنَّ مَنْزِلَكَ الْقَبْرُ، وَأَهْلُ الْمَقَابِرِ يَنْتَظِرُوْنَكَ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ مَتَى تَصِلُ إِلَيْهِمْ، إِيَّاك إِيَّاكَ أَنْ تَصِلُ إِلَيْهِمْ بِلَا زَادٍ. وَقَالَ أَبُوْ بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ رَضِي اللهُ عَنْهُ: هٰذِهِ الْأَجْسَادُ قَفَصُ الطُّيُوْرِ، أَوْإِصْطَبْلُ الدَّوَابِّ، فَتَفَكَّرْ فِي نَفْسِكَ مِنْ أَيِّهِمَا أَنْتَ؟ إِنْ كُنْتَ مِنَ الطُّيُوْرِ الْعُلْوِيَّةِ، فَحِيْنَ تَسْمَعُ طَنِيْنَ طَبْلِ { إِرْجِعِي إِلَى رَبِّكِ} تَطِيْرُ صَاعِدًا إِلَى أَنْ تَقْعُدَ فِي أَعَالِي بُرُوْحِ الْجِنَانِ، كَمَا قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" اِهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمٰنِ مِنْ مَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ" وَالْعِيَاذُ بِاللهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الدَّوَابِّ كَمَا قَالَ تَعَالَى { أُولٓئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} فَلَا تَأْمَنْ انْتِقَالَكَ مِنْ زَاوِيَةِ الدَّارِ إِلَى هَاوِيَةِ النَّارِ. وَرُوِيَ أَنَّ الِحَسَنَ الْبَصْرِيَّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى أُعْطِيَ شُرْبَةَ مَاءٍ بَارِدٍ، فَلَمَّا اَخَذَ الْقَدَحَ غُشِيَ عَلَيْهِ وَسَقَطَ مِنْ يَدِهِ، فَلَمَّا أَفَاقَ قِيْلَ لَهُ: مَا لَكَ يَا أَبَا سَعِيْدٍ؟ قَالَ: ذَكَرْتُ أُمْنِيَّةَ أَهْلِ النَّارِ حِيْنَ يَقُوْلُوْنَ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ:{ أَنْ أَفِيْضُوْا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ}.

أَيُّهَا الْوَلَدُ..!!
لَوْ كَانَ الْعِلْمُ الْمُجَرّدُ كَافِيًا لَكَ، وَلَا تَحْتَاجُ اِلَى عَمَلٍ سِوَاهُ، لَكَانَ نِدَاءُ اللهِ تَعَالَى:" هَلْ مِنْ سَائِلٍ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ؟ هَلْ مِنْ تَائِبٍ؟" ضَائِعًا بِلَا فَائِدَةٍ. وَرُوِيَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِيْنَ ذَكَرُوا عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ عِنْدَ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: " نِعْمَ الرَّجُلُ هُوَ لَوْ كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ". رَوَاهُ الْبُخَارِي وَمُسْلِمْ. وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ: " يَا فُلَانُ، لَا تُكْثِرِ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَإِنَّ كَثْرَةَ النَّوْمِ بِاللَّيْلِ يَدَعُ صَاحِبَهُ فَقِيْرًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ".

أَيُّهَا الْوَلَدُ..!!
{ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ } أَمْرٌ؛ { وَبِالْأَسْحَارِهُمْ يَسْتَغْفِرُوْنَ } شُكْرٌ؛ [ وَالْمُسْتَغْفِرِيْنَ بِالْأَسْحَارِ] ذِكْرٌ. قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: " ثَلَاثَةُ أَصْوَاتٍ يُحِبُّهَا اللهُ تَعَالَى: صَوْتُ الدِّيْكِ، وَصُوْتُ الَّذِيْ يُقْرِأُ الْقُرْآنَ، وَصَوْتُ الْمُسْتَغْفِرِيْنَ بِالْأَسْحَارِ". قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِي رَحِمَهُ اللهُ: إِنَّ للهَ تَعَالَى رِيْحًا تَهُبُّ بِالْأَسْحَارِ تَحْمِلُ الْأَذْكَارَ وَالْاِسْتِغْفَارَ اِلَى الْمُلْكِ الْجَبَّارِ. وَقَالَ أَيْضًا: إِذَا كَانَ أَوَّلُ اللَّيْلِ يُنَادِي مُنَادٍ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ: أَلَا لِيَقُمْ الْعَابِدُوْنَ، فَيَقُوُمُوْنَ وَيُصَلُّوْنَ مَا شَاءَ اللهُ؛ ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ فِي شَطْرِ اللَّيْلِ: أَلَا لِيَقُمْ الْقَانِتُوْنَ، فَيَقُوْمُوْنَ وَيُصَلُّوْنَ اِلَى السَّحَرِ؛ فَإِذَا كَانَ السَّحَرُ يُنَادِي مُنَادٍ: أَلَا لِيَقُمْ الْمُسْتَغْفِرِوْنَ، فَيَقُوْمُوْنَ وَيَسْتَغْفِرُوْنَ؛ فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ يُنَادِي مُنَادٍ: أَلَا لِيَقُمِ الْغَافِلُوْنَ، فَيَقُوْمُوْنَ مِنْ فُرُوْشِهِمْ كَالْمَوْتَى نُشِرُوْا مِنْ قُبُوْرِهِمْ.

أَيُهَا الْوَلَدُ..!!
رُوِيَ فِي بَعْضِ وَصَايَا لُقْمَانَ الْحَكِيْمِ لِابْنِهِ أَنَّهُ قَالَ: يَا بُنَيَّ، لَا يَكُوْنَنَّ الدِّيْكُ أَكْيَسُ مِنْكَ، يُنَادِي بِالْأَسْحَارِ وَأَنْتَ نَائِمٌ.
وَلَقَدْ أَحْسَنَ مَنْ قَالَ شِعْرًا:                     

لَقَدْ هَتَفَتْ فِي جُنْحِ اللَّيْلِ حَمَامَةٌ # عَلَى فَنَنٍ وَهْنًا وَإِنِّي لَنَائِمُ

كَذَبْتُ وَبَيْتِ اللهِ لَوْ كُنْتُ عَاشِقًا # لَمَا سَبَقَتْنِي بِالْبُكَاءِ الْحَمَائِمِ

وَأَزْعَمُ أَنِّي هَائِمٌ ذُوْ صَبَابَةٍ # لِرَبِّي فَلَا أَبْكِي وَتَبْكِي الْبَهَائِمُ؟!

أَيُهَا الْوَلَدُ..!!
خُلُاصَةُ الْعِلْمِ: أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ الطَّاعَةَ وَالْعِبَادَةَ مَا هِيَ؟ اِعْلَمْ أَنَّ الطَّاعَةَ وَالْعِبَادَةَ مُتَابَعَةُ الشَّارِعِ فِي الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، يَعْنِي: كُلُّ مَا تَقُوْلُ وَتَفْعَلُ، وَتَتْرُكُ يَكُوْنُ بِإقْتِدَاءِ الشَّرْعِ، كَمَا لَوْ صُمْتَ يَوْمَ الْعِيْدِ وَأّيَّامَ التَّشْرِيْقِ تَكُوْنُ عَاصِيًا، أَوْ صَلَّيْتَ فِي ثَوْبٍ مَغْصُوْبٍ ـ وَإِنْ كَانَتْ صُوْرَةَ عِبَادَةٍ ـ تَأْثَمُ.

أَيُهَا الْوَلَدُ..!!
يَنْبَغِي لَكَ أَنْ يَكُوْنَ قَوْلُكَ وَفِعْلُكَ مُوَافِقًا لِلشَّرْعِ؛ إِذِ الْعِلْمُ وِالْعَمَلُ بِلَا اقْتِدَاءِ الشَّرْعِ ضَلَالَةٌ، وَيَنْبَغِي لَكَ أَلاَّ تَغْتَرَّ بِالشَّطْحِ وَطَامَّاتِ الصُّوْفِيَّةِ؛ لِأَنَّ سُلُوْكَ هَذَا الطَّرِيْقِ يَكُوْنُ بِالْمُجَاهَدَةِ وَقَطْعِ شَهْوَةِ النَّفْسِ وَقَتْلِ هَوَاهَا بِسَيْفِ الرِّيَاضَةِ، لَا بِالطَّامَّاتِ وَالتُّرَّهَاتِ.
((( أي الأباطيل ))).
وَاعْلَمْ أَنَّ اللِّسَانَ الْمُطْلَقَ وَالْقَلْبَ الْمُطْبَقَ الْمَمْلُوْءَ بِالْغَفْلَةِ وَالشَّهْوَةِ عَلَامَةُ الشَّقَاوَةِ، فَإِذَ لَمْ تَقْتُلْ النَّفْسَ بِصِدْقِ الْمُجَاهَدَةِ فَلَنْ يَحْيَا قَلْبُكَ بِأَنْوَارِ الْمَعْرِفَةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ بَعْضَ مَسَائِلِكَ الَّتِي سَأَلْتَنِي عَنْهَا لَا يَسْتَقِيْمُ جَوَابُهَا بِالْكِتَابَةِ وَالْقَوْلِ، إِنْ تَبْلُغْ تِلْكَ الْحَالَةَ تَعْرِفْ مَا هِيَ! وَإِلَّا فَعِلْمُهَا مِنَ الْمُسْتَحِيْلَاتِ؛ لِأَنَّهَا ذَوْقِيَّةٌ، وَكُلُّ مَا يَكُوْنُ ذَوْقِيًّا، لَا يَسْتَقِيْمُ وَصْفُهُ بِالْقَوْلِ، كَحَلَاوَةِ الْحُلْوِ وَمَرَارَةِ الْمُرِّ، لَا تُعْرَفُ إِلَّا بِالذَّوْقِ، كَمَا حُكِيَ أَنَّ عِنِّيْنًا كَتَبَ اِلَى صَاحِبٍ لَهُ: أَنْ عَرِّفْنِي لَذَّةَ الْمُجَامَعَةِ كَيْفَ تَكُوْنُ؟ فَكَتَبَ لَهُ فِي جَوَابِهِ: يَا فُلَانُ، إِنِّي كُنْتُ حَسِبْتُكَ عِنِّيْنًا فَقَطْ، وَالْآنَ عَرَفْتُ أَنَّكَ عَنِّيْنٌ وَأَحْمَقُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ اللَّذَّةَ ذَوْقِيَّةٌ، إِنْ تَصَلَ إِلَيْهَا تَعْرِفْ، وَإِلَّا لَا يَسْتَقِيْمُ وَصْفُهَا بِالْقَوْلِ وَالْكِتَابَةِ.

أَيُهَا الْوَلَدُ..!!
بَعْضُ مَسَائِلِكَ مِنْ هَذَا الْقَبِيْلِ، وَأَمَّا الْبَعْضُ الَّذِي يَسْتَقِيْمُ لَهُ الْجَوَابُ فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي "إِحْيَاءِ الْعُلُوْمِ" وَغَيْرِهِ، وَنَذْكُرُ هَهُنَا نُبَذًا مِنْهُ وَنُشِيْرُ إِلَيْهِ فَنَقُوْلُ: قَدْ وَجَبَ عَلَى السَّالِكِ أَرْبَعَةُ أُمُوْرٍ: الْأَمْرُ الْأَوَّلُ: اِعْتِقَادٌ صَحِيْحٌ لَا يَكُوْنُ فِيْهِ بِدْعَةٌ. وَالثَّانِي: تَوْبَةٌ نَصُوْحٌ لَا يَرْجِعُ بَعْدَهُ اِلَى الزَّلَّةِ. وَالثَّالِثُ: اِسْتِرْضَاءُ الْخُصُوْمِ حَتَّى لَا يَبْقَى لِأَحَدٍ عَلَيْكَ حَقٌّ. وَالرَّابِعُ: تَحْصِيْلُ عِلْمِ الشَّرِيْعَةِ قَدْرَ مَا تُؤَدَّى بِهِ أَوَامِرَ اللهِ تَعَالَى. ثُمَّ مِنَ الْعُلُوْمِ الْآَخِرَةِ مَا يَكُوْنُ بِهِ النَّجَاةُ. حُكِيَ أَنَّ الشِّبْلِي رَحِمَهُ اللهُ خَدَمَ أَرْبَعَمِائَةِ أُسْتَاذٍ، وَقَالَ قَرَأْتُ أَرْبَعَةَ آلَافِ حَدِيْثٍ، ثُمَّ اخْتَرْتُ مِنْهَا حَدِيْثًا وَاحِدًا، وَعَمِلْتُ بِهِ، وَخَلَّيْتُ مَا سِوَاهُ؛ لِأّنِّيْ تَأَمَّلْتُهُ فَوَجَدْتُ خَلَاصِي وَنَجَاتِي فَيْهِ، وَكَانَ عِلْمُ الْأَوَّلِيْنَ، وَالْآَخِرِيْنَ كُلُّهُ مُنْدَرِجًا فِيْهِ فَاكْتَفَيْتُ بِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ:" اِعْمَلْ لِدُنْيَاكَ بِقَدْرِ مَقَامِكَ فِيْهَا، وَاعْمَلْ لِآَخِرَتِكَ بِقَدْرِ بَقَائِكَ فِيْهَا، وَاعْمَلْ لِلهِ بِقَدْرِ حَاجَتِكَ إِلَيْهِ، وَاعْمَلْ لِلنَّارِ بِقَدْرِ صَبْرِكَ عَلَيْهَا " . ((( رَوَاهُ الْبَيْهَقِي بِلَفْظٍ: " اِعْمل عمل امرئ يظن أن لن يموت أبدا، واحذر حذر امرئ يخشى أن يموت غدا "))). قال المناوي في التيسير 1\ 176: رمز المؤلف ـ يريد السيوطي ـ لضعفه.

أيها الولد..!!
إِذَا عَلِمْتَ هَذَا الْحَدِيْثَ لَا حَاجَةَ اِلَى الْعِلْمِ الْكَثِيْرِ. وَتَأَمَّلْ فِي حِكَايَةٍ أُخْرَى، وَذَلِكَ: أَنَّ حَاتِمَ الْأَصَمِّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّقِيْقِ الْبَلْخِي رَحْمَةُ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِمَا، فَسَأَلَهُ يَوْمًا قَالَ: صَاحَبْتَنِي مُنْذُ ثَلَاثِيْنَ سَنَةً مَا حَصَّلْتَ فِيْهَا؟ قَالَ: حَصَّلْتُ ثَمَانِيَ فَوَائِدَ مِنَ الْعِلْمِ، وَهِيَ تَكْفِيْنِي مِنْهُ لِأَنِّيْ أَرْجُوْ خَلَاصِي وَنَجَاتِي فِيْهَا. فَقَالَ شَقِيْقٌ: مَا هِيَ؟ قَالَ حَاتِمُ الْأَصَمّ: الْفَائِدَةُ الْأُوْلَى: أَنِّي نَظَرْتُ اِلَى الْخَلْقِ فَرَأَيْتُ فَلِكُلٍّ مِنْهُمْ مَحْبُوْبًا وَمَعْشُوْقًا يُحِبُّهُ وَيَعْشُقُهُ، وَبَعْضُ ذَلِكَ الْمَحْبُوْبُ يُصَاحِبُهُ اِلَى مَرَضِ الْمَوْتِ وَبَعْضُهُ يُصَاحِبُهُ اِلَى شَفِيْرِ الْقَبْرِ، ثُمَّ يَرْجِعُ كُلُّهُ، وَيَتْرُكُهُ فَرِيْدًا وَحِيْدًا، وَلَا يَدْخُلُ مَعَهُ فِي قَبْرِهِ مِنْهُمْ أَحَدٌ. فَتَفَكَّرْتُ وَقُلْتُ: أَفْضَلُ مَحْبُوْبِ الْمَرْءِ مَا يَدْخُلُ مَعَهُ فِيْ قَبْرِهِ، وَيُؤَنِّسُهُ فِيْهِ، فَمَا وَجَدْتُهُ غَيْرَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، فَأَخَذْتُهَا مَحْبُوْبَةً لِي؛ لِتَكُوْنَ لِي سِرَاجًا فِي قَبْرِي، وَتُؤَنِّسَنِي فِيْهِ، وَلَا تَتْرُكَنِي فَرِيْدًا. الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أَنِّي رَأَيْتُ الْخَلْقَ يَقْتَدُوْنَ أَهْوَاءَهُمْ، وَيُبَادِرُوْنَ اِلَى مُرَادَاتِ أَنْفُسِهِمْ، فَتَأَمَّلْتُ قَوْلَهُ تَعَالَى:{ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى } )النازعات ٤٠ – ٤١(. وَتَيَقَّنْتُ أَنّ الْقُرْآنَ حَقٌّ صَادِقٌ فَبَادَرْتُ اِلَى خِلَافِ نَفْسِي وَتَشَمَّرْتُ لِمُجَاهَدَتِهَا، وَمَنْغِهَا عَنْ هَوَاهَا، حَتَّى ارْتَاضَتْ بِطَاعَةِ اللهِ تَعَالَى وَانْقَادَتْ. الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أَنِّي رَأَيْتُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ يَسْعَى فِي جَمِيْعِ حِطَامِ الدُّنْيَا، ثُمَّ يُمْسِكُهُ قَابِضًا يَدَهُ عَلَيْهِ، فَتَأَمَّلْتُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{ مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللهِ بَاقٍ} فَبَذَلْتُ مَحْصُوْلِي مِنَ الدُّنْيَا لِوَجْهِ اللهِ تَعَالَى فَفَرَّقْتُهُ بَيْنَ الْمَسَاكِيْنَ لِيَكُوْنَ ذُخْرًا لِي عِنْدَ اللهِ تَعَالَى. الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أَنِّي رَأَيْتُ بَعْضَ الْخَلْقِ يَظُنُّ أَنَّ شَرَفَهُ وَعِزَّهُ فِي كَثْرَةِ الْأَقْوَامِ وَالْعَشَائِرِ فَاغْتَرَّ بِهِمْ. وَزَعَمَ آخَرُوْنَ أَنَّهُ فِي ثَرْوَةِ الْأَمْوَالِ وَكَثْرَةِ الْأَوْلَادِ، فَافْتَخَرُوْا بِهَا. وَحَسِبَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْعِزَّ وَالشَّرَفَ فِي غَصْبِ أَمْوَالِ النَّاسِ وَظُلْمِهِمْ وَسَفْكِ دِمَائِهِمْ. وَاعْتَقَدَتْ طَائِفَةٌ أَنَّهُ فِي إِتْلَافِ الْمَالِ وَإِسْرَافِهِ، وَتَبْذِيْرِهِ، فَتَأَمَّلْتُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ }، فَاخْتَرْتُ التَّقْوَى، وَاعْتَقَدْتُ أَنَّ الْقُرْآنَ حَقٌّ صَادِقٌ، وَظَنَّهُمْ وَحِسْبَانَهُمْ كُلُّهَا بَاطِلٌ زَائِلٌ. الْفَائِدَةُ الْخَامِسَةٌ: أَنِّي رَأَيْتُ النَّاسَ يَذُمُّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَيَغْتَابُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَوَجَدْتُ أَصْلَ ذَلِكَ مِنَ الْحَسَدِ وَالْجَاهِ وَالْعِلْمِ، فَتَأَمَّلْتُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيْشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } فَعَلِمْتُ أَنَّ الْقِسْمَةَ كَانَتْ مِنَ اللهِ تَعَالَى فِي الْأَزَلِ، فَمَا حَسَدْتُ أَحَدًا وَرَضِيْتُ بِقِسْمَةِ اللهِ تَعَالَى. الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: أَنِّي رَأَيْتُ النَّاسَ يُعَادِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا لِغَرَضٍ وَسَبَبٍ، فَتَأَمَّلْتُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوْهُ عَدُوًّا } فَعَلِمْتُ أَنَّهُ لَا يَجُوْزُ عَدَاوَةَ أَحَدٍ غَيْرِ الشَّيْطَانِ. الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: أَنِّي رَأَيْتُ كُلَّ أَحَدٍ يَسْعَى بِجِدٍّ، وَيَجْتَهِدُ بِمُبَالَغَةٍ لِطَلَبِ الْقُوْتِ وَالْمَعَاشِ، بِحَيْثُ يَقَعُ بِهِ فِي شُبْهَةٍ وَحَرَامٍ وَيُذِلُّ نَفْسَهُ وَيَنْقُصُ قَدْرَهُ، فَتَأَمَّلْتُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{ وَمَا مِنْ دَآبَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا } فَعَلِمْتُ أَنَّ رِزْقِي عَلَى اللهِ تَعَالَى وَقَدْ ضَمِنَهُ، فَاشْتَغَلْتُ بِعِبَادَتِهِ، وَقَطَعْتُ طَمَعِي عَمَّنْ سِوَاهُ. الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ: أَنِّي رَأَيْتُ كُلَّ وَاحِدٍ مُعْتَمِدًا عَلَى شَيْءٍ مَخْلُوْقٍ، بَعْضُهُمْ إِلَى الدِّيْنَارِ وَالدِّرْهَمِ، وَبَعْضُهُمْ إِلَى الْمَالِ وَالْمُلْكِ، وَبَعْضُهُمْ إِلَى الْحِرْفَةِ وَالصِّنَاعَةِ، وَبَعْضُهُمْ إِلَى مَخْلُوْقٍ مِثْلِهِ، فَتَأَمَّلْتُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ، إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ، قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} فَتَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ تَعَالَى فَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيْلُ. فَقَالَ شَفِيْقٌ: وَفَّقَكَ اللهُ تَعَالَى إِنِّي قَدْ نَظَرْتُ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيْلَ وَالزَّبُوْرَ وَالْفُرْقَانَ، فَوَجَدْتُ الْكُتُبَ الْأَرْبَعَةَ تَدُوْرُ عَلَى هَذِهِ الْفَوَائِدِ الثَّمَانِيَةِ، فَمَنْ عَمِلَ بِهَا كَانَ عَامِلًا بِهَذِهِ الْكُتُبِ الْأَرْبَعَةِ.

أَيُّهَا الْوَلَدُ..!!
قَدْ عَلِمْتَ مِنْ هَاتَيْنِ الْحِكَايَتَيْنِ أَنَّكَ لَا تَحْتَاجُ اِلَى تَكْثِيْرِ الْعِلْمِ، وَالْآنَ أُبَيِّنُ لَكَ مَا يَجِبُ عَلَى سَالِكِ سَبِيْلِ الْحَقِّ: فَاعْلَمْ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلسَّالِكِ شَيْخٌ مُرْشِدٌ مُرَبٍّ، لِيَخْرُجَ الْأَخْلَاقَ السَّيِّئَةَ مِنْهُ بِتَرْبِيَّتِهِ، وَيَجْعَل مَكَانَهَا خُلُقًا حَسَنًا. وَمَعْنَى التَّرْبِيَّةِ يُشْبِهُ فِعْلَ الْفَلَّاحِ الَّذِي يَقْلَعُ الشَّوْكَ. وَيُخْرِجُ النَّبَاتَاتِ الْأَجْنَبِيَّةِ مِنْ بَيْنِ الزَّرْعِ لِيَحْسُنَ نَبَاتُهُ وَيَكْمُلَ رَيْعُهُ، وَلَا بُدَّ لِلسَّالِكِ مِنْ شَيْخٍ يُؤَدِّبُهُ وَيُرْشِدُهُ اِلَى سَبِيْلِ اللهِ تَعَالَى، لِأَنَّ اللهَ أَرْسَلَ لِلْعِبَادِ رَسُوْلًا لِلْإِرْشَادِ اِلَى سَبِيْلِهِ، فَإِذَا ارْتَحَلَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ خَلَفَ الْخُلَفَاءُ فِي مَكَانِهِ، حَتَّى يُرْشِدُوْا اِلَى اللهِ تَعَالَى. وَشَرْطُ االشَّيْخِ الَّذِي يَصْلُحُ أَنْ يَكُوْنَ نَائِبًا لِرَسُوْلِ اللهِ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُوْنَ عَالِمًا، وَلَكِنْ لَا كُلُّ عَالِمٍ يَصْلُحُ لِلْخِلَافَةِ. وَإِنِّي أُبَيِّنُ لَكَ بَعْضَ عَلَامَاتِهِ عَلَى سَبِيْلِ الْإِجْمَالِ؛ حَتَّى لَا يَدَّعِي كُلُّ أَحَدٍ أَنَّهُ مُرْشِدٌ، فَنَقُوْلُ: مَنْ يُعْرِضُ عَنْ حُبِّ الدُّنْيَا وَحُبِّ الْجَاهِ، وَكَانَ قَدْ تَابَعَ شَيْخًا بَصِيْرًا تَتَسَلْسَلُ مُتَابَعَتُهُ اِلَى سَيِّدِ الْمُرْسَلِيْنَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ مُحْسِنًا رِيَاضَةَ نَفْسِهِ مِنْ قِلَّةِ الْأَكْلِ وَالْقَوْلِ وَالنَّوْمِ وَكَثْرَةِ الصَّلَوَاتِ وَالصَّدَقَةِ وَالصَّوْمِ، وَكَانَ بِمُتَابَعَتِهِ الشَّيْخَ الْبَصِيْرَ جَاعِلًا مَحَاسِنَ الْأَخْلَاقِ لَهُ سِيْرَةً كَالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَالشُّكْرِ وَالتَّوَكُّلِ وَالْيَقِيْنِ وَالسَّخَاءِ وَالْقَنَاعَةِ وَطُمَأْنِيْنَةِ النَّفْسِ وَالْحِلْمِ وَالتَّوَاضُعِ وَالْعِلْمِ وَالصِّدْقِ وَالْحَيَاءِ وَالْوَفَاءِ وَالْوَقَارِ وَالسُّكُوْنِ وَالتَّأَنِّي وَأَمْثَالِهَا، فَهُوَ إِذًا نُوْرٌ مِنْ أَنْوَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْلُحُ لِلْإِقْتِدَاءِ بِهِ، وَلَكِنْ وُجُوْدُ مِثْلِهِ نَادِرٌ أَعَزُّ مِنَ الْكِبْرِيْتِ الْأَحْمَرِ. وَمَنْ سَاعَدَتْهُ السَّعَادَةُ فَوَجَدَ شَيْخًا كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَقَبِلَهُ الشَّيْخُ، يَنْبَغِي أَنْ يَحْتَرِمَهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا: أَمَّا اِحْتِرَامُ الظَّاهِرِ فَهُوَ أَنْ لَا يُجَادِلَهُ، وَلَا يَشْتَغِلُ بِالْاِحْتِجَاجِ مَعَهُ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ وَإِنْ عَلِمَ خَطَأَهُ، وَلَا يُلْقِيَ بَيْنَ يَدَيِهْ سَجَّادَتَهُ إِلَّا وَقْتَ أَدَاءِ الصَّلَاةِ، فَإِذَا فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ يَرْفَعُهَا، وَلَا يُكْثِرَ نَوَافِلَ الصَّلَاةِ بِحَضْرَتِهِ، وَيَعْمَلُ مَا يَأْمُرُهُ الشَّيْخُ مِنَ الْعَمَلِ بِقَدْرِ وُسْعِهِ وَطَاقَتِهِ. وَأَمَّا اِحْتِرَامُ الْبَاطِنِ: فَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَا يَسْمَعُ وَيَقْبَلُ مِنْهُ فِي الظَّاهِرِ لَا يُنْكِرُهُ فِي الْبَاطِنِ لَا فِعْلًا وَلَا قَوْلًا؛ لِئَلَّا يَتَّسِمَ بِالنِّفَاقِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ يَتْرُكْ صُحْبَتَهُ إِلَى أَنْ يُوَافِقَ يَاطِنُهُ ظَاهِرَهُ. وَيَحْتَرِزُ عَنْ مُجَالَسَةِ صَاحِبِ السُّوْءِ؛ لِيَقْصُرَ وِلَايَةَ شَيَاطِيْنَ الْإِنْسِ وِالْجِنِّ عَنْ صَحْنِ قَلْبِهِ، فَيُصَفَّي مِنْ لَوْثِ الشَّيْطَنَةِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ يَخْتَارُ الْفَقْرَ عَلَى الْغِنَى. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّصَوُّفَ لَهُ خَصْلَتَانِ: اَلْاِسْتِقَامَةُ مَعَ اللهِ تَعَالَى، وَالسُّكُوْنُ عَنِ الْخَلْقِ، فَمَنْ اسْتَقَامَ مَعَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَحْسَنَ خُلُقُهُ بِالنَّاسِ وَعَامَلَهُمْ بِالْحِلْمِ فَهُوَ "صُوْفِيٌّ". وَالْاِسْتِقَامَةُ أَنْ يَفْدِيَ حَظَّ نَفْسِهِ عَلَى أَمْرِ اللهِ تَعَالَى. وَحُسْنُ الْخُلُقِ مَعَ النَّاسِ: أَلَّا تَحْمِلَ النَّاسَ عَلَى مُرَاِد نَفْسِكَ، بَلْ تَحْمِلَ نَفْسَكَ عَلَى مُرَادِهِمْ مَا لَمْ يُخَالِفُوا الشَّرْعَ. ثُمَّ إِنَّكَ سَأَلْتَنِي عَنِ الْعُبُوْدِيَّةِ؟، وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: أَحَدُهَا: مُحَافَظَةُ أَمْرِ الشَّرْعِ. وَثَانِيْهَا: الرِّضَاءُ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ وَقِسْمَةِ اللهِ تَعَالَى. وَثَالِثُهَا: تَرْكُ رِضَاءِ نَفْسِكَ فِي طَلَبِ رِضَاءِ اللهِ تَعَالَى. وَسَأَلْتَنِي عَنِ التَّوَكُّلِ؟ وَهُوَ أَنْ تَسْتَحْكِمَ اِعْتِقَادَكَ بِاللهِ تَعَالَى فِيْمَا وَعَدَ، يَعْنِي تَعْتَقِدُ أَنَّ مَا قُدِّرَ لَكَ سَيَصِلُ إِلَيْكَ لَا مَحَالَةَ وَإِنِ اجْتَهَدَ كُلُّ مَنْ فِي الْعَالَمِ عَلَى صَرْفِهِ عَنْكَ، وَمَا لَمْ يَكْتُبْ لَكَ لَنْ يَصِلَ إِلَيْكَ، وَإِنْ سَاعَدَكَ جَمِيْعُ الْعَالَمِ. وَسَأَلْتَنِي عَنِ الْإِخْلَاصِ؟ وَهُوَ أَنْ تَكُوْنَ أَعْمَالُكَ كُلُّهَا لِلهِ تَعَالَى، وَلَا يَرْتَاحُ قَلْبُكَ بِمَحَامِدِ النَّاسِ، وَلَا تُبَالِي بِمَذَمَّتِهِمْ. وَاعْلَمْ أَنَّ الرِّيَاءَ يَتَوَلَّدُ مِنْ تَعْظِيْمِ الْخَلْقِ. وَعِلَاجُهُ أَن تَرَاهُمْ مُسَخَّرِيْنَ تَحْتَ الْقُدْرَةِ، وَتَحْسَبُهُمْ كَالْجَمَادَاتِ فِي عَدَمِ قُدْرَةِ إِيْصَالِ الرَّاحَةِ وَالْمَشَقَّةِ لِتَخْلُصَ مِنْ مُرَاءَاتِهِمْ. وَمَتَى تَحْسَبُهُمْ ذَوِي قُدْرَةٍ وَإِرَادَةٍ لَنْ يَبْعُدَ عَنْكَ الرِّيَاءُ.

أَيُّهَا الْوَلَدُ..!!
وَالْبَاقِي مِنْ مَسَائِلِكَ بَعْضُهَا مَسْطُوْرٌ فِي مُصَنَّفَاتِي، فَاطْلُبْهُ ثَمَّةَ: وَكِتَابَةُ بَعْضِهَا حَرَامٌ، اِعْمَلْ أَنْتَ بِمَا تَعْلَمُ، لِيَنْكَشِفَ لَكَ مَا لَمْ تَعْلَمْ، (((قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم" قال العراقي في تخريج أحاديث الإحياء ١\٧١: أخرجه أبو نعيم في الحلية من حديث أنس وضعفه))).

أَيُّهَا الْوَلَدُ..!!
بَعْدَ الْيَوْمِ لَا تَسْأَلْنِي مَا أُشْكِلَ عَلَيْكَ إِلَّا بِلِسَانِ الْجِنَانِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَوْأَنَّهُمْ صَبَرُوْا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} وَاقْبَلْ نَصِيْحَةَ الْخَضِرِ عَلَيِهْ السَّلَامُ حِيْنَ قَالَ:{فَلَا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا} وَلَا تَسْتَعْجِلْ حَتَّى تَبْلُغَ أَوَانَهُ يُكْشَفُ لَكَ وَتَرَاهُ:{سَأُرِيْكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُوْنَ}. فَلَا تَسْأَلْنِي قَبْلَ الْوَقْتِ، وَتَيَقَّنْ أَنَّكَ لَا تَصِلُ إِلَّا بِالسَّيْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{أَوَلَمْ يَسِيْرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوْا}.

أَيُّهَا الْوَلَدُ..!!
بِاللهِ إِنْ تَسِرْ تَرَ الْعَجَائِبَ فِي كُلِّ مَنْزِلٍ، وَابْذُلْ رَاحَكَ، فَإِنَّ رَأْسَ هَذَا الْأَمْرِ بَذْلُ الرُّوْحِ، كَمَا قَالَ ذُو النُّوْنِ الْمِصْرِي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى لِأَحَدِ تَلَامِذَتِهِ: إِنْ قَدَرْتَ عَلَى بَذْلِ الرُّوْحِ فَتَعَالَ، وَإِلَّا فَلَا تَشْتَغِلْ بِتُرْهَاتِ الصُّوْفِيَّةِ.

أَيُّهَا الْوَلَدُ..!!
إِنِّي أَنْصَحُكَ بِثَمَانِيَةِ أَشْيَاءَ، اِقْبَلْهَا مِنِّي لِئَلَّا يَكُوْنَ عِلْمُكَ خَصْمًا عَلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، تَعْمَلُ مِنْهَا أَرْبَعَةً، وَتَدَعُ مِنْهَا أَرْبَعَةً:
أَمَّا اللَّوَاتِي تَدَعُ: فَأَحَدُهَا: أَلَّا تُنَاظِرَ أَحَدًا فِي مَسْأَلَةٍ مَا اسْتَطَعْتَ لِأَنَّ فِيْهَا آفَاتٍ كَثِيْرَةً، فَإِثْمُهَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهَا، إِذْ هِيَ مَنْبَعُ كُلِّ خُلُقٍ ذَمِيْمٍ كَالرِّيَاءِ وَالْحَسَدِ وَالْكِبْرِ وَالْحِقْدِ وَالْعَدَاوَةِ وْالْمَبَاهَاةِ وَغَيْرِهَا. نَعَمْ لَوْ وَقَعَ مَسْأَلَةٌ بَيْنَكَ وَبَيْنَ شَخْصٍ أَوْ قَوْمٍ، وَكَانَتْ إِرَادَتُكَ فِيْهَا أَنْ تَظْهَرَ الْحَقَّ وَلَا يَضِيْعَ، جَازَ الْبَحْثُ، لَكِنْ لِتِلْكَ الْإِرَادَةِ عَلَامَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: أَلَّا تُفَرِّقَ بَيْنَ أَنْ يَنْكَشِفَ الْحَقُّ عَلَى لِسَانِكَ أَوْ عَلَى لِسَانِ غَيْرِكَ.
وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُوْنَ الْبَحْثُ فِي الْخَلَاءِ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ أَنْ يَكُوْنَ فِي الْمَلَأِ. وَاسْمَعْ أَنِّي أَذْكُرُ لَكَ هَهُنَا فَائِدَةً، وَاعْلَمْ أَنَّ السُّؤَالَ عَنِ الْمُشْكِلَاتِ عَرْضُ مَرَضِ الْقَلْبِ اِلَى الطَّبِيْبِ، وَالْجَوَابُ لَهُ سَعْيٌ لِإِصْلَاحِ مَرَضِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْجَاهِلِيْنَ: الْمَرْضَى قُلُوْبُهُمْ، وَالْعُلُمُاءُ: الْأَطِبَّاءُ. وَالْعَالِمُ النَّاقِصُ لَا يُحْسِنُ الْمُعَالَجَةَ، وَالْعَالِمُ الْكَامِلُ لَا يُعَالِجُ كُلَّ مَرِيْضٍ، بَلْ يُعَالِجُ مَنْ يَرْجُوْ قَبُوْلَ الْمُعَالَجَةِ وَالصَّلَاحِ، وَإِذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ مُزْمِنَةً أَوْ عَقِيْمًا لَا تَقْبَلُ الْعِلَاجَ، فَحَذَاقَةُ الطَّبِيْبِ فِيْهِ أَنْ يَقُوْلَ: هَذَا لَا يَقْبَلُ الْعِلَاجَ، فَلَا تَشْغَلْ فِيْهِ بِمُدَاوَاتِهِ لِأَنَّ فِيْهِ تَضْيِيْعَ الْعُمُرِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَرَضَ الْجَهْلِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْوَاعٍ : أَحَدُهَا يَقْبَلُ الْعِلَاجَ، وَالْبَاقِي لَا يَقْبَلُ. أَمَّا الَّذِي لَا يَقْبَلُ الْعِلَاجَ: فَأَحَدُهَا: مَنْ كَانَ سُؤَالُهُ وَاعْتِرَاضُهُ عَنْ حَسَدِهِ وَبُغْضِهِ، فَكُلَّمَا تُجِيْبُهُ بِأَحْسَنِ الْجَوَابِ وَأَفْصَحِهِ، فَلَا يَزِيْدُ لَهُ ذَلِكَ إِلَّا بُغْضًا وَعَدَاوَةً وَحَسَدًا، فَالطَّرِيْقُ أَلَّا تَشْتَغِلَ بِجَوَابِهِ، فَقَدْ قِيْلَ:

كُلُّ الْعَدَاوَةِ قَدْ تُرْجَى إِزَالَتُهَا # إِلَّا عَدَاوَةَ مَنْ عَادَاكَ عَنْ حَسَدٍ

فَيَنْبَغِي أَنْ تُعْرِضَ عَنْهُ، وَتَتْرُكَهُ مَعَ مَرَضِهِ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى:{فَأَعْرِضْ عَمَّنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}. وَالْحَسُوْدُ بِكُلِّ مَا يَقُوْلُ وَيَفْعَلُ يُوْقِدُ النَّارَ فِي زَرْعِ عَمَلِهِ، كَمَا قَالَ النَّبِيّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ:" الْحَسَدُ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ". وَالثَّانِي: أَنْ تَكُوْنَ عِلَّتُهُ مِنَ الْحَمَاقَةِ، وَهُوَ أَيْضًا لَا يَقْبَلُ الْعِلَاجَ كَمَا قَالَ عِيْسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِنِّي مَا عَجَزْتُ عَنْ إِحْيَاءِ الْمَوْتَى، وَقَدْ عَجَزْتُ عَنْ مُعَالَجَةِ الْأَحْمَقِ. وَذَلِكَ رَجُلٌ يَشْتَغِلُ بِطَلَبِ الْعِلْمِ زَمَنًا قَلِيْلًا وَيَتَعَلَّمُ شَيْئًا قَلِيْلًا مِنَ الْعِلْمِ الْعَقْلِيّ وَالشَّرْعِيّ، فَيَسْأَلُ، وَيَعْتَرِضُ مِنْ حَمَاقَتِهِ عَلَى الْعَالِمِ الْكَبِيْرِ، الَّذِي أَمْضَى عُمُرَهُ فِي الْعُلُوْمِ: الْعَقْلِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ، وَهَذَا الْأَحْمَقُ لَا يَعْلَمُ، وَيَظُنُّ أَنَّ مَا أُشْكِلَ عَلَيْهِ هُوَ أَيْضًا مُشْكِلٌ لِلْعَالِمِ الْكَبِيْرِ، فَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ هَذَا الْقَدْرَ يَكُوْنُ سُؤَالُهُ مِنَ الْحَمَاقَةِ، فَيَنْبَغِي أَلَّا يَشْتَغِلَ بِجَوَابِهِ . وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُوْنَ مُسْتَرْشِدًا، وَكُلَّ مَا لَا يَفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْأَكَابِرِ يُحْمَلُ عَلَى قُصُوْرِ فَهْمِهِ، وَكَانَ سُؤَالُهُ لِلْاِسْتِفَادَةِ، لَكِنْ يَكُوْنُ بَلِيْدًا لَا يُدْرِكُ الْحَقَائِقَ، فَلَا يَنْبَغِي الْاِشْتِغَالُ بِجَوَابِهِ أَيْضًا، كَمَا قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نَحْنُ مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ أُمِرْنَا أَنْ نُكَلِّمَ النَّاسَ عَلَى قَدْرِ عُقُوْلِهِمْ". وَأَمَّا الْمَرَضُ الَّذِي يَقْبَلُ الْعِلَاجَ، فَهُوَ أَنْ يَكُوْنَ مُسْتَرِشْدًا عَاقِلًا فَهْمًا لَا يَكُوْنُ مَغْلُوْبَ الْحَسَدِ وَالْغَضَبِ وَحُبِّ الشَّهْوَةِ وَالْجَاهِ وَالْمَالِ. وَيَكُوْنُ طَالِبَ طَرِيْقِ الْمُسْتَقِيْمِ، وَلَمْ يَكُنْ سُؤَالُهُ وَاعْتِرَاضُهُ عَنْ حَسَدٍ، وَتَعَنُّتٍ وَامْتِحَانٍ، وَهَذَا يَقْبَلُ الْعِلَاجَ، فَيَجُوْزُ أَنْ تَشْتَغِلَ بِجَوَابِ سُؤَالِهِ بَلْ يَجِبَ عَلَيْكَ إِجَابَتُهُ. وَالثَّانِيمِمَّا تدَعُ: وَهُوَ أَنْ تَحْذَرَ وَتَحْتَرِزَ مِنْ أَنْ تَكُوْنَ وَاعِظًا وَمُذَكِّرًا؛ لِأَنَّ فِيْهِ آفَةً كَثِيْرَةً إِلَّا أَنْ تَعْمَلَ بِمَا تَقُوْلُ أَوَّلًا، ثُمَّ تَعِظُ بِهِ النَّاسَ، فَتَفَكَّرَ فِيْمَا قِيْلَ لِعِيْسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَا ابْنَ مَرْيَمَ عِظْ نَفْسَكَ، فَإِنِ اتَّعَظَتْ فَعِظْ النَّاسَ، وَإِلَّا فَاسْتَحِ مِنْ رَبِّكَ. وَإِنِ ابْتُلِيْتَ بِهَذَا الْعَمَلِ فَاحْتَرِزْ عَنْ خَصْلَتَيْنِ: الْأُوْلَى: عَنِ التَّكَلُّفِ فِي الْكَلَامِ بِالْعِبَارَاتِ وَالْإِشَارَاتِ وَالطَّامَّاتِ وَالْأَبْيَاتِ وَالْأَشْعَارِ؛ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى يَبْغَضُ الْمُتَكَلِّفِيْنَ، وَالْمُتَكَلِّفُ الْمُتَجَاوِزُ عَنِ الْحَدِ، يَدُلُّ عَلَى خَرَابِ الْبَاطِنِ وَغَفْلَةِ الْقَلْبِ. وَمَعْنَى التَّذْكِيْرِ: أَنْ يَذْكُرَ الْعَبْدُ نَارَ الْآخرَةِ، وَتَقْصِيْرَ نَفْسِهِ فِي خِدْمَةِ الْخَالِقِ وَيَتَفَكَّرْ فِي عُمْرِهِ الْمَاضِي الَّذِي أَفْنَاهُ فِيْمَا لَا يَعْنِيْهِ وَيَتَفَكَّرَ فِيْمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْعَقَبَاتِ مِنْ عَدَمِ سَلَامَةِ الْإِيْمَانِ فِي الْخَاتِمَةِ، وَكَيْفِيَّةِ حَالِهِ فِي قَبْضِ مَلَكِ الْمَوْتِ، وَهَلْ يَقْدِرُ عَلَى جَوَابِ مُنْكَرٍ وَنَكِيْرٍ؟ وَيَهْتَمُّ بِحَالِهِ فِي الْقِيَامَةِ وَمَوَاقِفِهَا، وَهَلْ يَعْبُرُ عَنِ الصِّرَاطِ سَالِمًا أَمْ يَقَعُ فِي الْهَاوِيَةِ؟ وَيَسْتَمِرُّ ذِكْرُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي قَلْبِهِ، فَيُزْعِجُهُ عَنْ قَرَارِهِ، فَغَلَيَانُ هَذِهِ النِّيْرَانِ، وَنَوْحَةُ هَذِهِ الْمَصَائِبِ يُسَمَّى تَذْكِيْرًا، وَإِعْلَامُ الْحَقِّ وَإِطْلَاعُهُمْ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَتَنْبِيْهُهُمْ عَلَى تَقْصِيْرِهِمْ وَتَفْرِيْطِهِمْ، وَتَبْصِيْرِهِمْ بِعُيُوْبِ أَنْفُسِهِمْ لِتَمَسَّ حَرَارَةُ هَذِهِ النِّيْرَانِ أَهْلَ الْمَجْلِسِ، وَتُجْزِعَهُمْ تِلْكَ الْمَصَائِبُ لِيَتَدَارَكُوْا الْعُمُرَ الْمَاضِيَ بِقَدْرِ الطَّاقَةِ، وَيَتَحَسَّرُوا عَلَى الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللهِ تَعَالَى. وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ عَلَى هَذَا الطَّرِيْقِ يُسَمَّى وَعْظًا، كَمَا لَوْ رَأَيْتَ أَنَّ السَّيْلَ قَدْ هَجَمَ عَلَى دَارِ أَحَدٍ، وَكَانَ هُوَ وَأَهْلُهُ فِيْهَا، فَتَقُوْلُ: الْحَذَرَ الْحَذَرَ فِرُّوْا مِنَ السَّيْلِ!! وَهَلْ يَشْتَهِي قَلْبُكَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَنْ تُخْبِرَ صَاحِبَ الدَّارِ خَبَرَكَ بِتَكَلُّفِ الْعِبَارَاتِ، وَالنُّكَتِ وَالْإِشَارَاتِ؟ فَلَا تَشْتَهِي الْبَتَّةَ؛ فَكَذَلِكَ حَالُ الْوَاعِظِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْتَنِبَهَا. الْخَصْلَةُ الثَّانِيَةُ: أَلَّا تَكُوْنَ هِمَّتُكَ فِي وَعْظِكَ أَنْ يَنْعَرَ الْخَلْقُ فِي مَجْلِسِكَ وَيُظْهِرُوْا الْوُجْدَ، وَيَشُقُّوْا الثِّيَابَ، لِيُقَالَ: نِعْمَ الْمَجْلِسُ هَذَا؛ لِأَنَّ كُلَّهُ مَيْلٌ لِلدُّنْيَا (((وَالرِّيَاءِ)))، وَهُوَ يَتَوَلَّدُ مِنَ الْغَفْلَةِ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُوْنَ عَزْمُكَ وَهِمَّتُكَ أَنْ تَدْعُو النَّاسَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَى الْآخِرَةِ، وَمِنَ الْمَعْصِيَةِ إِلَى الطَّاعَةِ، وَمِنَ الْحِرْصِ إِلَى الزُّهْدِ، وَمِنَ الْبُخْلِ إِلَى السَّخَاءِ، وَمِنَ الْغُرُوْرِ إِلَى التَّقْوَى، وَتُحَبِّبَ إِلَيْهِمْ الْآخِرَةَ، وَتُبَغِّضَ إِلَيْهِمْ الدُّنْيَا، وَتُعَلِّمَهُمْ عِلْمَ الْعِبَادَةِ وَالزُّهْدِ؛ وَلَا تُغِرَّهُمْ بِكَرَمِ اللهِ تَعَالَى عَزَّ وَجَلَّ وَرَحْمَتِهِ، لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى طِبَاعِهِمْ الزَّيْغُ عَنْ مَنْهَجِ الشَّرْعِ، وَالسَّعْيُ فِيْمَا لَا يَرْضَى اللهُ تَعَالَى بِهِ، وَالْاِسْتِعْثَارُ بِالْأَخْلَاقِ الرَّدِيَّةِ، فَأَلْقِ فِي قُلُوْبِهِمْ الرُّعْبَ، وَرَوِّعْهُمْ، وَحَذِّرْهُمْ عَمَّا يَسْتَقْبِلُوْنَ مِنَ الْمَخَاوِفِ؛ وَلَعَلَّ صِفَاتِ بَاطِنِهِمْ تَتَغَيَّرُ، وَمُعَامَلَةَ ظَاهِرِهِمْ تَتَبَدَّلُ، وَيَتَظَهَّرُوْا الْحِرْصَ وَالرُّغْبَةَ فِي الطَّاعَةِ وَالرُّجُوْعِ عَنِ الْمَعْصِيَّةِ، وَهَذَا طَرِيْقُ الْوَعْظِ وَالنَّصِيْحَةِ، وَكُلُّ وَعْظٍ لَا يَكُوْنُ هَكَذَا فَهُوَ وَبَالٌ عَلَى مَنْ قَالَ وَسَمِعَ، بَلْ قِيْلَ: إِنَّهُ غَوْلٌ وَشَيْطَانٌ، يَذْهَبُ بِالْخَلْقِ عَنِ الطَّرِيْقِ وَيُهْلِكُهُمْ، فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَفِرُّوْا مِنْهُ؛ لِأَنَّ مَا يُفْسِدُ هَذَا الْقَائِلَ مِنْ دِيْنِهِمْ لَا يَسْتَطِيْعُ بِمِثْلِهِ الشَّيْطَانُ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ يَدٌ وَقُدْرَةٌ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَنْزِلَهُ عَنْ مَنَابِرِ الْمَوَاعِظِ وَيَمْنَعَهُ عَمَّا بَاشَرَهُ، فَإِنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوْفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ. وَالثَّالِثُ مِمَّا تَدَعُ: أَنْ لَا تُخَالِطَ الْأُمَرَاءَ وَالسَّلَاطِيْنَ وَلَا تَرَاهُمْ، لِأَنَّ رُؤْيَتَهُمْ وَمُجَالِسَتَهُمْ وَمُخَالِطَتَهُمْ آفَةٌ عَظِيْمَةٌ، وَلَوِ ابْتُلِيْتَ بِهَا دَعْ عَنْكَ مَدْحَهُمْ وَثَنَاءَهُمْ، لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى يَغْضَبُ إِذَا مُدِحَ الْفَاسِقُ وَالظَّالِمُ، وَمَنْ دَعَا لِطُوْلِ بَقَائِهِمْ فَقَدْ أَحَبَّ أَنْ يَعْصِى اللهَ فِي أَرْضِهِ. وَالرَّابِعُ مِمَّا تَدَعُ: أَلَّا تَقْبَلَ شَيْئًا مِنْ عَطَاءِ الْأُمَرَاءِ وَهَدَايَاهُمْ وَإِنْ عَلِمْتَ أَنَّهَا مِنَ الْحَلَالِ، لِأَنَّ الطَّمَعَ مِنْهُمْ يُفْسِدُ الدِّيْنَ، لِأَنَّهُ يَتَوَلَّدُ مِنْهُ الْمُدَاهَنَةُ، وَمُرَاعَاةُ جَانِبِهِمْ وَالْمُوَافَقَةُ فِي ظُلْمِهِمْ، وَهَذَا كُلُّهُ فَسَادٌ فِي الدِّيْنِ، وَأَقَلُّ مَضَرَّتِهِ أَنَّك إِذَا قَبِلْتَ عَطَايَاهُمْ، وَانْتَفَعْتَ مِنْ دُنْيَاهُمْ أَحْبَبْتَهُمْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَحَدًا يُحِبُّ طُوْلَ عُمْرِهِ، وَبَقَاءِهِ بِالضَّرُوْرَةِ، وَفِي مَحَبَّةِ بَقَاءِ الظَّالِمِ إِرَادَةٌ فِي الظُّلْمِ عَلَى عِبَادِ اللهِ تَعَالَى، وَإِرَادَةُ خَرَابِ الْعَالَمِ، فَأَيُّ شَيْءٍ يَكُوْنُ أَضَرَّ مِنْ هَذَا عَلَى الدِّيْنِ وَالْعَاقِبَةِ. وَإِيَّاكَ إِيَّاكَ أَنْ يَخْدَعَكَ اسْتِهْوَاءُ الشَّيَاطِيْنِ أَوْ قَوْلُ بَعْض النَّاسِ لَكَ: بِأَنَّ الْأَفْضَلَ وَالْأَوْلَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمْ الدِّيْنَارَ وَالدِّرْهَمَ، وَتُفَرِّقَهُمَا بَيْنَ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِيْنِ؛ فَإِنَّهُمْ يُنْفِقُوْنَ فِى الْفِسْقِ وَالْمَعْصِيَةِ، وَإِنْفَاقُكَ عَلَى ضُعَفَاءِ النَّاسِ خَيْرٌ مِنْ إِنْفَاقِهِمْ؛ فَإِنَّ اللَّعِيْنَ قَدْ قَطَعَ أَعْنَاقَ كَثِيْرٍ مِنَ النَّاسِ بِهَذِهِ الْوَسْوَسَةِ، وَآفَتُهُ كَثِيْرَةٌ، قَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي إِحْيَاءِ الْعُلُوْمِ فَاطْلُبْهُ ثَمَّةَ. وَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ الَّتِي يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَفْعَلَهَا: فَالْأُوْلَى: أَنْ تَجْعَلَ مُعَامَلَتَكَ مَعَ اللهِ تَعَالَى، بِحَيْثُ لَوْ عَامَلَ مَعَكَ بِهَا عَبْدُكَ تَرْضَى بِهَا مِنْهُ، وَلَا يَضِيْقُ خَاطِرُكَ عَلَيْهِ وَلَا تَغْضَبُ، وَالَّذِي لَا تَرْضَى لَنَفْسِكَ مِنْ عَبْدِكَ الْمَجَازِيّ فَلَا تَرْضَى أَيْضًا لِلهِ تَعَالَى وَهُوَ سَيِّدُكَ الْحَقِيْقِيُّ. وَالثَّانِي: كُلَّمَا عَمِلْتَ بِالنَّاسِ اجْعَلْهُ كَمَا تَرْضَى لِنَفْسِكَ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكْمُلُ إِيْمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يُحِبُّ لِسَائِرِ النَّاسِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ. وَالثّالِثُ: إِذَا قَرَأْتَ الْعِلْمَ أَوْ طَالَعْتَهُ، يَنْبَغِي أَنْ يَكُوْنَ عِلْمُكَ عِلْمًا يُصْلِحُ قَلْبَكَ وَيُزَكِّي نَفْسَكَ، كَمَا لَوْ عَلِمْتَ أَنَّ عُمُرَكَ مَا يَبْقَى غَيْرَ أُسْبُوْعٍ، فَبِالضَّرُوْرَةِ لَا تَشْتَغِلُ فِيْهَا بِعِلْمِ الْفِقْهِ وَالْخِلَافِ وَالْأُصُوْلِ وَالْكَلَامِ وَأَمْثَالِهَا؛ لِأَنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الْعُلُوْمَ لَا تُغْنِيْكَ، بَلْ تَشْتَغِلُ بِمُرَاقَبَةِ الْقَلْبِ، وَمَعْرِفَةِ صِفَاتِ النَّفْسِ، وَالْإِعْرَاضِ عَنْ عَلَائِقِ الدُّنْيَا، وَتُزَكِّي نَفْسَكَ عَنِ الْأَخْلَاقِ الذَّمِيْمَةِ، وَتَشْتَغِلُ بِمَحَبَّةِ اللهِ تَعَالَى وَعِبَادَتِهِ، وَالْإِتِّصَافِ بِالْأَوْصَافِ الْحَسَنَةِ، وَلَا يَمُرُّ عَلَى عَبْدٍ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ إِلَّا وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُوْنَ مَوْتُهُ فِيْهِ.

أَيُّهَا الْوَلَدُ..!!
اِسْمَعْ مِنِّي كَلَامًا آخَرَ، وَتَفَكَّرْ فِيْهِ حَتَّى تَجِدَ خَلَاصًا: لَوْ أَنَّكَ أُخْبِرْتَ أَنَّ السُّلْطَانَ بَعْدَ أُسْبُوْعٍ يُجِيْئُكَ زَائِرًا. فَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّكَ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ لَا تَشْتَغِلُ إِلَّا بِإِصْلَاحِ مَا عَلِمْتَ أَنَّ نَظَرَ السُّلْطَانِ سَيَقَعُ عَلَيْهِ مِنَ الثِّيَابِ وَالْبَدَنِ، وَالدَّارِ وَالْفِرَاشِ وَغَيِرْهَا. وَالْآنَ تَفَكَّرْ إِلَى مَا أَشَرْتُ بِهِ فَإِنَّكَ فَهِمَ، وَالْكَلَامُ الْفَرْدُ يَكْفِي الْكَيَّسَ، قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ اِلَى صُوَرِكُمْ وَلَا إِلَى أَعْمَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ اِلَى قَلَوْبِكُمْ وَنِيَّاتِكُمْ" رواه مسلم. "إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ اِلَى صُوَرِكُمْ وَلَا إِلَى أَعْمَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ اِلَى قَلَوْبِكُمْ وَنِيَّاتِكُمْ" رواه مسلم. وَإِنْ أَرَدْتَ عِلْمِ أَحْوِالِ الْقَلْبِ فَانْظُرْ اِلَى الْإِحْيَاءِ وَغِيْرِهِ مِنْ مُصَنَّفَاتِي وَهَذاَ الْعِلْمُ فَرْضُ عَيْنٍ، وَغَيْرُهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ إِلَّا مِقْدَارِ مَا يُؤَدَّى بِهِ اِلَى فَرَائِضِ اللهِ تَعَالَى، وَهُوَ يُوَفِّقُكَ حَتَّى تُحَصِّلَهُ. وَالرَّابِعُ: أَلَّا تَجْمَعَ مِنَ الدُّنْيَا أَكْثَرَ مِنْ كِفَايَةِ سَنَةٍ، كَمَا كَانَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعِدُّ ذَلِكَ لِبَعْضِ حُجُرَاتِهِ، وَقَالَ:" اَللَّهُمَّ اجْعَلْ قُوْتَ آلِ مُحَمَّدٍ كَفَافًا" رواه مسلم، وَلَمْ يَكُنْ يُعِدُّ ذَلِكَ لِكُلِّ حُجُرَاتِهِ بَلْ كَانَ يُعِدُّهُ لِمَنْ عَلِمَ أَنَّ فِي قَلْبِهَا ضَعْفًا، وَأَمَّا مَنْ كَانَتْ صَاحِبَةَ يَقِيْنٍ فَمَا كَانَ يُعِدُّ لَهَا أَكْثَرَ مِنْ قُوْتِ يَوْمٍ وَنِصْفٍ.

أَيُّهَا الْوَلَدُ..!!
إِنِّي كَتَبْتُ فِي هَذَا الْفَصْلِ مُلْتَمَسَاتِكَ، فَيَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَعْمَلَ بِهَا وَلَا تَنْسَانِي فِيْهِ مِنْ أَنْ تَذْكُرَنِي فَي صَالِحِ دُعَائِكَ. وَأَمَّا الدُّعَاءُ الَّذِي سَأَلْتَ مِنِّي فَاطْلُبْهُ مِنْ دَعَوَاتِ الصِّحَاحِ، وَاقْرَأْ هَذَا الدُّعَاءَ فِي جَمِيْعِ أَوْقَاتِكَ، خُصُوْصًا أَعْقَابَ صَلَوَاتِكَ: اَللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنَ التِّعْمَةِ تَمَامَهَا، وَمِنَ الْعِصْمَةِ دَوَامَهَا، وَمِنَ الرَّحْمَةِ شُمُوْلَهَا، وَمِنَ الْعَافِيَةِ حُصُوْلَهَا، وَمِنَ الْعَيْشِ أَرْغَدَهُ، وَمِنَ الْعُمْرِ أَسْعَدَهُ وَمِنَ الْإِحْسَانِ أَتَمَّهُ، وَمِنَ الْإِنْعَامِ أَعَمَّهُ، وَمِنَ الْفَضْلِ أَعْذَبَهُ، وَمِنَ اللُّطْفِ أَنْفَعَهُ. اَللَّهُمَّ كُنْ لَنَا وَلَا تَكُنْ عَلَيْنَا، اَللَّهُمَّ اخْتِمْ بِالسَّعَادَةِ آجَالَنَا، وَحَقِّقْ بِالزِّيَادَةِ آمَالَنَا، وَاقْرِنْ بِالْعَافِيَةِ غُدُوَّنَا وَآصَالَنَا، وَاجْعَلْ اِلَى رَحْمَتِكَ مَصِيْرَنَا وَمَآلَنَا، وَاصْبُبْ سَجَالَ عَفْوِكَ عَلَى ذُنُوْبِنَا، وَمُنَّ عَلَيْنَا بِإِصْلَاحِ عُيُوْبِنَا، وَاجْعَلِ التَّقْوَى زَادَنَا، وَفِي دِيْنِكَ اِجْتِهَادَنَا، وَعَلَيْكَ تَوَكُّلَنَا وَاعْتِمَادَنَا. اَللَّهُمَّ ثَبِّتْنَا عَلَى نَهْجِ الْاِسْتِقَامَةِ، وَأَعِذْنَا فِي الدُّنْيَا مِنْ مُوْجِبَاتِ النَّدَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَخَفِّفْ عَنَّا ثِقَلَ الْأَوْزَارِ، وَارْزُقْنَا عَيْشَةَ الْأَبْرَارِ، وَاكْفِنَا مَا أَهَمَّنَا فِى هَذِهِ الدَّارِ وَفِى تِلْكَ الدَّارِ، وَاصْرِفْ عَنَّا شَرَّ الْأَشْرَارِ وَكَيْدَ الْفُجَّارِ، وَاعْتِقْ رِقَابَنَا، وَرِقَابَ آبَائِنَا، وِأُمَّهَاتِنَا وَإِخْوَانِنَا وَأَخَوَاتِنَا وَمَشَايِخِنَا مِنَ النَّارِ، بِرَحْمَتِكَ يَا عَزِيْزُ يَا غَفَّارُ، يَا كَرِيْمُ، يَا سَتَّارُ، يَاخَالِقُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، خَلِّصْنَا مِنْ هَمِّ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَالنَّارِ، يَا حَلِيْمُ يَا جَبَّارُ يَا اللهُ.. يَا اللهُ.. يَا اللهُ.. بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ، وَيَا أَوَّلَ الْأَوَّلِيْنَ، وَيَا آخِرَالْأَخِرِيْنَ، وَياَ ذَاالْقُوَّةِ الْمَتِيْنِ، وَيَا رَاحِمَ الْمَسَاكِيْنِ، وَيَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِيْنَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ، وَالْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ.


Post a Comment

Cookie Consent
We serve cookies on this site to analyze traffic, remember your preferences, and optimize your experience.
Oops!
It seems there is something wrong with your internet connection. Please connect to the internet and start browsing again.
AdBlock Detected!
We have detected that you are using adblocking plugin in your browser.
The revenue we earn by the advertisements is used to manage this website, we request you to whitelist our website in your adblocking plugin.
Site is Blocked
Sorry! This site is not available in your country.