Download kitab pdf terlengkap AswajaPedia Klik di sini

تَنْبِيْهُ الغَافِلِينَ || بَابُ: عَذَابِ الْقَبْرِ وَشِدَّتِهِ || Tanbihul Ghofilin || Bab Siksa Kubur Dan Kepedihannya


تَنْبِيْهُ الغَافِلِينَ

تأليف
الإمام الفقيه أبى الليث نصر بن محمد الحنفى السمرقندى
(ت ٣٧٣ ه)

بَابُ: عَذَابِ الْقَبْرِ وَشِدَّتِهِ
بسم الله الرحمن الرحيم
حَدَّثَنَا الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُوَ مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ , عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ , قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ وَلَمْ يُلْحَدْ بَعْدُ، فَجَلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ، فَكَأَنَّ عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرُ، وَفِي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ الْأَرْضَ، يَعْنِي يَحْفُرُ بِهِ الْأَرْضَ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ وَقَالَ: «اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ» مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي إِقْبَالٍ مِنَ الْآخِرَةِ وَانْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا نَزَلَتْ إِلَيْهِ مَلَائِكَةٌ بِيضٌ وُجُوهُهُمْ، كَالشَّمْسِ، وَمَعَهُمْ كَفَنٌ مِنَ الْجَنَّةِ، وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ، فَيَجْلِسُونَ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِئُ مَلَكُ الْمَوْتِ حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةِ اللَّهِ وَرِضْوَانِهِ ".
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَتَخْرُجُ وَتَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنَ السِّقَاءِ فَيَأْخُذُونَهَا فَلَا يَدَعُونَهَا فِي يَدٍ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَأْخُذُوهَا فِي ذَلِكَ الْكَفَنِ وَالْحَنُوطِ فَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، فَيَصْعَدُونَ بِهَا فَلَا يَمُرُّونَ بِهَا عَلَى مَلَإٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا قَالُوا مَا هَذِهِ الرُّوحُ الطَّيِّبَةُ فَيَقُولُونَ، رُوحُ فُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ، ثُمَّ يَنْتَهُونَ بِهَا إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهَا فَيُفْتَحُ لَهُمْ، فَيَسْتَقْبِلُهَا وَيُشَيِّعُهَا كُلٌّ مِنْ مُقَرَّبُوهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهَا حَتَّى يَنْتَهُوا بِهَا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِي عِلِّيِّينَ، وَأَعِيدُوهُ إِلَى الْأَرْضِ، مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ، وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى، فَتُعَادُ الرُّوحُ فِي جَسَدِهِ، وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللَّهُ، فَيَقُولَانِ لَهُ: وَمَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: دِينِيَ الْإِسْلامُ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا تَقُولُ فِي هَذَا فَيَقُولُ لَهُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُوءُكَ، فَهَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ بِهِ، فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ السَّيِّئُ، فَيَقُولُ: رَبِّ لَا تُقِمِ السَّاعَةَ رَبِّ لَا تُقِمِ السَّاعَةَ.

قَالَ، حَدَّثَنَا الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ أَحْمَدُ بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ عَنِ الْحَرَّانِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ قَسَامَةَ بْنِ زُهَيْرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا احْتُضِرَ أَتَتْهُ الْمَلَائِكَةُ بِحَرِيرَةٍ فِيهَا مِسْكٌ وَضَبَائِرُ الرَّيْحَانِ، وَتُسَلُّ رُوحُهُ كَمَا تُسَلُّ الشَّعْرَةُ مِنَ الْعَجِينِ، وَيُقَالُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً عَنْكِ، إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَرِضْوَانِهِ، وَإِذَا أُخْرِجَتْ رُوحُهُ وُضِعَتْ عَلَى ذَلِكَ الْمِسْكِ وَالرَّيْحَانِ، وَطُوِيَتْ عَلَيْهَا الْحَرِيرَةُ وَبُعِثَ بِهَا إِلَى عِلِّيِّينَ، وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا احْتُضِرَ أَتَتْهُ الْمَلَائِكَةُ بِمَسْحٍ مِنْ شَعْرٍ فِيهِ جَمْرٌ، فَتُنْزَعُ رُوحُهُ انْتِزَاعًا شَدِيدًا، وَيُقَالُ لَهَا: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ، اخْرُجِي سَاخِطَةً مَسْخُوطًا عَلَيْكِ إِلَى هَوَانِ اللَّهِ وَعَذَابِهِ، فَإِذَا أُخْرِجَتْ رُوحُهُ وُضِعَتْ عَلَى تِلْكَ الْجَمْرَةِ، وَإِنَّ لَهَا نَشِيجًا كَنَشِيجِ الْغَلَيَانِ، وَيُطْوَى عَلَيْهَا الْمَسْحُ فَيُذْهَبُ بِهَا إِلَى سِجِّينٍ "

وَرَوَى الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ , بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا , " أَنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا وُضِعَ فِي الْقَبْرِ يُوَسَّعُ عَلَيْهِ فِي قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا طُولًا، وَتُنْشَرُ عَلَيْهِ الرَّيَاحِينُ، وَيُسْتَرُ بِالْحَرِيرِ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ كَفَاهُ نُورُهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ جُعِلَ لَهُ نُورٌ مِثْلُ الشَّمْسِ فِي قَبْرِهِ، وَيَكُونُ مَثَلُهُ كَمَثَلِ الْعَرُوسِ، تَنَامُ وَلَا يُوقِظُهَا إِلَّا أَحَبُّ أَهْلِهَا إِلَيْهَا، فَتَقُومُ مِنْ نَوْمِهَا كَأَنَّهَا لَمْ تَشْبَعْ مِنْهُ، وَإِنَّ الْكَافِرَ يَضِيقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَدْخُلَ أَضْلَاعُهُ فِي جَوْفِهِ، وَيُرْسَلُ عَلَيْهِ حَيَّاتٌ كَأَمْثَالِ أَعْنَاقِ الْبُخْتِ فَيَأْكُلْنَ لَحْمَهُ حَتَّى لَا يَذَرْنَ عَلَى عَظْمِهِ لَحْمًا،
فَتُرْسَلُ لَهُ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ مَعَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ يَضْرِبُونَهُ بِهَا لَا يَسْمَعُونَ صَوْتَهُ فَيَرْحَمُوهُ، وَلَا يُبْصِرُونَهُ فَيَرْأَفُوا بِهِ، فَتُعْرَضُ عَلَيْهِ النَّارُ بُكْرَةً وَعَشِيًّا.
مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْجُوَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُلَازِمَ أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ وَيَجْتَنِبَ أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ: فَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ الَّتِي يُلَازِمُهَا فَمُحَافَظَةُ الصَّلَوَاتِ وَالصَّدَقَةُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَكَثْرَةُ التَّسْبِيحِ.
فَإِنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تُضِيءُ الْقَبْرَ وَتُوَسِّعُهُ.
وَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ الَّتِي يَجْتَنِبُهَا: فَالْكَذِبُ وَالْخِيَانَةُ وَالنَّمِيمَةُ وَالْبَوْلُ
فَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنَّهُ قَالَ: "تنزهوا عن البول، فإن عامة عذاب القبر منه".
ورُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَرِهَ لَكُمْ أَرْبَعًا: الْعَبَثَ فِي الصَّلَاةِ، وَاللَّغْوَ فِي الْقِرَاءَةِ، وَالرَّفَثَ فِي الصِّيَامِ، وَالضَّحِكَ عِنْدَ الْمَقَابِرِ ".
وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ السَّمَّاكِ , أَنَّهُ نَظَرَ إِلَى مَقْبَرَةٍ فَقَالَ: لَا يَغُرَّنَّكُمْ سُكُوتُ هَذِهِ الْقُبُورِ، فَمَا أَكْثَرَ الْمَغْمُومِينَ فِيهَا، وَلَا يَغُرَّنَّكُمُ اسْتِوَاءُ الْقُبُورِ، فَمَا أَشَدَّ تَفَاوُتَهُمْ فِيهَا.
فَيَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ ذِكْرِ الْقَبْرِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهُ.
قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: مَنْ أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِ الْقَبْرِ وَجَدَهُ رَوْضَةً مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ غَفَلَ عَنْهُ، وَجَدَهُ حُفْرَةً مِنْ حُفَرِ النِّيرَانِ. .
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ , أَنَّهُ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ: يَا عِبَادَ اللَّهِ، الْمَوْتَ الْمَوْتَ، لَيْسَ مِنْهُ فَوْتٌ، إِنْ أَقَمْتُمْ لَهُ أَخَذَكُمْ، وَإِنْ فَرَرْتُمْ مِنْهُ أَدْرَكَكُمْ، الْمَوْتُ مَعْقُودٌ بِنَوَاصِيكُم، فَالنَّجَاةَ النَّجَاةَ، الْوَحَا الْوَحَا، فَإِنَّ وَرَاءَكُمْ طَالِبًا حَثِيثًا وَهُوَ الْقَبْرُ، أَلَا وَإِنَّ الْقَبْرَ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النِّيرَانِ، أَلَا وَإِنَّهُ يَتَكَلَّمُ فِي كُلِّ يَوْمٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَيَقُولُ أَنَا بَيْتُ الظُّلْمَةِ، أَنَا بَيْتُ الْوَحْشَةِ، أَنَا بَيْتُ الدِّيدَانِ، أَلَا وَإِنَّ وَرَاءَ ذَلِكَ الْيَوْمِ يَوْمًا أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ، يَوْمًا يَشِيبُ فِيهِ الصَّغِيرُ، وَيَسْكَرُ فِيهِ الْكَبِيرُ، وَتَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا، وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى، وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ، أَلَا وَإِنَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ نَارًا، حَرُّهَا شَدِيدٌ وَقَعْرُهَا بَعِيدٌ، وَحُلِيُّهَا حَدِيدٌ، وَمَاؤُهَا صَدِيدٌ، وَلَيْسَ للَّهِ فِيهَا رَحْمَةٌ، قَالَ: فَبَكَى الْمُسْلِمُونَ بُكَاءً شَدِيدًا، فَقَالَ إِنَّ وَرَاءَ ذَلِكَ الْيَوْمِ جَنَّةً عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ، أَجَارَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ، وَأَحَلَّنَا وَإِيَّاكُمْ دَارَ النَّعِيمِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَسِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , أَنَّهُ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا مَاتَ فَحُمِلَ قَالَ أَسْرِعُوا بِي، فَإِذَا وُضِعَ فِي لَحْدِهِ كَلَّمَتْهُ الْأَرْضُ وَقَالَتْ إِنِّي كُنْتُ أُحِبُّكَ وَأَنْتَ عَلَى ظَهْرِي، فَأَنْتَ الْآنَ أَحَبُّ إِلَيَّ، وَإِذَا مَاتَ الْكَافِرُ فَحُمِلَ، قَالَ: ارْجِعُوا بِي، فَإِذَا وُضِعَ فِي لَحْدِهِ كَلَّمَتْهُ الْأَرْضُ، فَقَالَتْ إِنِّي كُنْتُ أَبْغُضُكَ وَأَنْتَ عَلَى ظَهْرِي فَأَنْتَ الْآنَ أَبْغَضُ إِلَيَّ. .

وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ فَبَكَى، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّكَ تَذْكُرُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ وَلَا تَبْكِي مِنْ هَذَا.
فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ: «الْقَبْرُ أَوَّلُ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ، فَإِنْ نَجَا مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ» . . وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ مَحْمُودٍ الْمَغُولِيِّ , قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا , فَأَتَاهُ قَوْمٌ فَقَالُوا: خَرَجْنَا حُجَّاجًا وَمَعَنَا صَاحِبٌ لَنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى حَيِّ ذَاتِ الصِّفَاحِ، فَمَاتَ فَهَيَّأْنَا لَهُ ثُمَّ انْطَلَقْنَا فَحَفَرْنَا لَهُ قَبْرًا وَلَحْدًا، فَإِذَا نَحْنُ بِأَسْوَدَ قَدْ مَلَأَ اللَّحْدَ، يَعْنِي الْحَيَّةَ، فَتَرَكْنَاهُ فَحَفَرْنَا لَهُ فِي مَكَانٍ آخَرَ، فَإِذَا نَحْنُ بِأَسْوَدَ قَدْ مَلَأَ اللَّحْدَ، فَتَرَكْنَاهُ فَحَفَرْنَا لَهُ ثَالِثًا، فَإِذَا نَحْنُ بِأَسْوَدَ قَدْ مَلَأَ اللَّحْدَ، فَتَرَكْنَاهُ وَأَتَيْنَاكَ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: ذَلِكَ الْفِعْلُ الَّذِي كَانَ يَفْعَلُهُ، انْطَلِقُوا فَادْفِنُوهُ فِي بَعْضِهَا، فَوَاللَّهِ لَوْ حَفَرْتُمُ الْأَرْضَ كُلَّهَا لَوَجَدْتُمُوهُ فِيهَا، فَأَخْبِرُوا قَوْمَهُ.
قَالَ: فَانْطَلَقْنَا فَدَفَنَّاهُ فِي بَعْضِهَا، فَلَمَّا رَجَعْنَا أَتَيْنَا أَهْلَهُ بِمَتَاعٍ لَهُ كَانَ مَعَنَا، فَقُلْنَا لِامْرَأَتِهِ مَا كَانَ لَهُ مِنْ عَمَلٍ، قَالَتْ كَانَ يَبِيعُ الطَّعَامَ يَعْنِي الْحِنْطَةَ، وَكَانَ يَأْخُذُ كُلَّ يَوْمٍ قُوتَهُ ثُمَّ يَعْرِضُ الْقَصَبَ مِثْلَهُ وَمِنَ الْكُعْبَرَةِ، يَعْنِي عِيدَانَ الطَّعَامِ، فَيُلْقِيهِ فِيهِ.
فِي هَذَا الْخَبَرِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخِيَانَةَ سَبَبٌ لِعَذَابِ الْقَبْرِ، فَكَانَ فِيمَا رَأَوْهُ عِبْرَةً لِلْأَحْيَاءِ لِيَمْتَنِعُوا مِنَ الْخِيَانَةِ.
وَيُقَالُ إِنَّ الْأَرْضَ تُنَادِي كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، أَوَّلُ نِدَاءٍ تَقُولُ يَابْنَ آدَمَ تَمْشِي عَلَى ظَهْرِي وَمَصِيرُكَ إِلَى بَطْنِي، وَالثَّانِي تَقُولُ يَابْنَ آدَمَ تَأْكُلُ الْأَلْوَانَ عَلَى ظَهْرِي وَتَأْكُلُكَ الدِّيدَانُ فِي بَطْنِي، وَالثَّالِثُ تَقُولُ يَابْنَ آدَمَ تَضْحَكُ عَلَى ظَهْرِي فَسَوْفَ تَبْكِي عَلَى بَطْنِي، وَالرَّابِعُ تَقُولُ يَابْنَ آدَمَ تَفْرَحُ عَلَى ظَهْرِي، فَسَوْفَ تَحْزَنُ فِي بَطْنِي، وَالْخَامِسُ تَقُولُ يَابْنَ آدَمَ تُذْنِبُ عَلَى ظَهْرِي فَسَوْفَ تُعَذَّبُ فِي بَطْنِي.
وَرُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَار: كَانَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، لَهُ أُخْتٌ فِي نَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ، فَاشْتَكَتْ فَكَانَ يَأْتِيهَا يَعُودُهَا ثُمَّ مَاتَتْ، فَجَهَّزَهَا وَحَمَلَهَا إِلَى قَبْرِهَا، فَلَمَّا دُفِنَتْ وَرَجَعَ إِلَى أَهْلِهَا ذَكَرَ أَنَّهُ نَسِيَ كِيسًا كَانَ مَعَهُ، فَاسْتَعَانَ بِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَأَتَيَا الْقَبْرَ فَنَبَشَهَا فَوَجَدَ الْكِيسَ، فَقَالَ لِلرَّجُلِ تَنَحَّ حَتَّى أَنْظُرَ عَلَى أَيِّ حَالٍ أُخْتِي، فَرَفَعَ بَعْضَ مَا كَانَ عَلَى اللَّحْدِ فَإِذَا الْقَبْرُ مُشْتَعِلٌ نَارًا، فَرَدَّهُ فَسَوَّى الْقَبْرَ فَرَجَعَ إِلَى أُمِّهِ، فَقَالَ أَخْبِرِينِي عَمَّا كَانَتْ أُخْتِي عَلَيْهِ فَقَالَتْ: وَلِمَ تَسْأَلُ عَنْ أُخْتِكَ وَقَدْ هَلَكَتْ؟ قَالَ فَأَخْبِرِينِي قَالَتْ: كَانَتْ أُخْتُكَ تُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ وَلَا تُصَلِّي بِطَهَارَةٍ تَامَّةٍ، وَتَأْتِي فِي أَبْوَابِ الْجِيرَانِ إِذَا نَامُوا فَتُلْقِمُ أُذُنَهَا أَبْوَابَهُمْ فَتُخْرِجُ حَدِيثَهُمْ،
يَعْنِي أَنَّهَا كَانَتْ تَسْمَعُ الْحَدِيثَ لِكَيْ تَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ، وَهُوَ سَبَبُ عَذَابِ الْقَبْرِ.
فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْجُوَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَحَرَّزَ عَنِ النَّمِيمَةِ، وَعَنْ سَائِرِ الذُّنُوبِ، لِيَنْجُوَ مِنْ عَذَابِهِ وَيَسْهُلَ عَلَيْهِ سُؤَالُ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [إبراهيم: ٢٧]

وَرَوَى الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا سُئِلَ الْمُسْلِمُ فِي الْقَبْرِ فَيَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ»
فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [إبراهيم: ٢٧] .
وَيَكُونُ التَّثْبِيتُ فِي ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ لِمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا، مُخْلِصًا، مُطِيعًا لِلَّهِ تَعَالَى.
أَحَدُهَا فِي حَالِ مُعَايَنَةِ مَلَكِ الْمَوْتِ، وَالثَّانِي فِي حَالِ سُؤَالِ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ، وَالثَّالِثُ فِي حَالِ سُؤَالِهِ عِنْدَ الْمُحَاسَبَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
فَأَمَّا التَّثْبِيتُ عِنْدَ مُعَايَنَةِ مَلَكِ الْمَوْتِ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ، أَحَدُهَا الْعِصْمَةُ مِنَ الْكُفْرِ وَتَوْفِيقُ الِاسْتِقَامَةِ عَلَى التَّوْحِيدِ حَتَّى تَخْرُجَ رُوحُهُ وَهُوَ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَالثَّانِي أَنْ تُبَشِّرَهُ الْمَلَائِكَةُ بِالرَّحْمَةِ، وَالثَّالِثُ أَنْ يَرَى مَوْضِعَهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَالتَّثْبِيتُ فِي الْقَبْرِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ، أَحَدُهَا أَنْ يُلَقِّنَهُ اللَّهُ تَعَالَى الصَّوَابَ حَتَّى يُجِيبَهُمَا بِمَا يَرْضَى مِنْهُ الرَّبُّ، وَالثَّانِي أَنْ يَزُولَ عَنْهُ الْخَوْفُ وَالْهَيْبَةُ وَالدَّهْشَةُ، وَالثَّالِثُ أَنْ يَرَى مَكَانَهُ فِي الْجَنَّةِ فَيَصِيرَ الْقَبْرُ رَوْضَةً مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ.
وَأَمَّا التَّثْبِيتُ عِنْدَ الْحِسَابِ، فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ، أَحَدُهَا أَنْ يُلَقِّنَهُ الْحُجَّةَ عَمَّا يَسْأَلُ عَنْهُ، وَالثَّانِي أَنْ يُسَهِّلَ عَلَيْهِ الْحِسَابَ،
وَالثَّالِثُ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنْهُ الزَّلَلَ وَالْخَطَايَا، وَيُقَالُ التَّثْبِيتُ فِي أَرْبَعَةِ أَحْوَالٍ، أَحَدُهَا عِنْدَ الْمَوْتِ وَالثَّانِي فِي الْقَبْرِ، حَتَّى يُجِيبَ بِلَا خَوْفٍ، وَالثَّالِثُ عِنْدَ الْحِسَابِ، وَالرَّابِعُ عِنْدَ الصِّرَاطِ، حَتَّى يَمُرَّ كَالْبَرْقِ الْخَاطِفِ.
فَإِنْ سُئِلَ عَنْ سُؤَالِ الْقَبْرِ كَيْفَ هُوَ.
قِيلَ لَهُ قَدْ تَكَلَّمَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ.
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَكُونُ السُّؤَالُ لِلرُّوحِ دُونَ الْجَسَدِ، وَحِينَئذٍ تَدْخُلُ الرُّوحُ فِي جَسَدِهِ إِلَى صَدْرِهِ.
وَقِيلَ تَكُونُ الرُّوحُ بَيْنَ جَسَدِهِ وَكَفَنِهِ، وَفِي ذَلِكَ كُلِّهِ قَدْ جَاءَتِ الْآثَارُ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُقِرَّ الْإِنْسَانُ بِسُؤَالِ الْقَبْرِ وَلَا يَشْتَغِلَ بِكَيْفِيَّتِهِ.
وَيَقُولُ اللَّهُ أعلَمُ كَيْفَ يَكُونُ وَإِنَّمَا نُعَانِيهِ إِذَا صِرْنَا إِلَيْهِ، فَإِذَا أَنْكَرَ أَحَدٌ سُؤَالَ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ فَإِنَّ إِنْكَارَهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، إِمَّا أَنْ يَقُولَ إِنَّ هَذَا لَا يَجُوُز مِنْ طَرِيقِ الْعَقْلِ، إِذْ هُوَ خِلَاف الطَّبِيعَةِ، أَوْ يَقُولَ يَجُوزُ ذَلِكَ، وَلَكِنْ لَمْ يَثْبُتْ.
فَإِنْ قَالَ هَذَا لَا يَجُوزُ مِنْ طَرِيقِ الْعَقْلِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ يُؤَدِّي إِلَى تَعْطِيلِ النُّبُوَّةِ وَإِبْطَالِ الْمُعْجِزَةِ لِأَنَّ الرُّسُلَ كَانُوا مِنَ الْآدَمِيِّينَ وَطَبِيعَتُهُمْ مِثْلَ طَبِيعَةِ غَيْرِهِمْ، وَقَدْ شَاهَدُوا الْمَلَائِكَةَ، وَأُنْزِلَ عَلَيْهِمُ الْوَحْيُ، وَانْفَلَقَ الْبَحْرُ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَصَارَتْ عَصَاهُ ثُعْبَانًا، فَهَذَا كُلُّهُ خِلَافُ الطَّبِيعَةِ، فَنُكْرُ هَذَا يُخْرِجُ مِنَ الْإِسْلَامِ مِنْ حَيْثُ دَخَلَ، وَإِنْ قَالَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَلَكِنْ لَمْ يَثْبُتْ، فَنَحْنُ قَدْ رَوَيْنَا مِنَ الْأَخْبَارِ مَا فِيهِ مَقْنَعٌ لِمَنْ سَمِعَهَا، وَفِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: ١٢٤] ، قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، الْمَعِيشَةُ الضَّنْكُ سُؤَالُ الْقَبْرِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [إبراهيم: ٢٧]

حَدَّثَنِي الْفَقِيهُ , بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا دَخَلَ الْمُؤْمِنُ قَبْرَهُ أَتَاهُ فَتَّانَا الْقَبْرِ فَأَجْلَسَاهُ فِي قَبْرِهِ وَسَأَلَاهُ، وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِهِمْ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ، وَمَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: اللَّهُ رَبِّي وَالْإِسْلَامُ دِينِي وَمُحَمَّدٌ نَبِيِّي، فَيَقُولَانِ لَهُ: يُثَبِّتُكَ اللَّهُ نَمْ قَرِيرَ الْعَيْنِ. وهو قوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [إبراهيم: ٢٧] ، يَعْنِي يُثَبِّتُهُمُ اللَّهُ عَلَى قَوْلِ الْحَقِّ، {وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ} [إبراهيم: 27] يَعْنِي الْكَافِرِينَ، لَا يُوَفِّقُهُمْ لِلْقَوْلِ الْحَقِّ، وَإِذَا دَخَل الْكَافِرُ أَوِ الْمُنَافِقُ قَبْرَهُ قَالَا لَهُ: مَنْ رَبُّكَ وَمَا دِينُكَ وَمَنْ نَبِيُّكَ؟ فَيَقُولُ لَا أَدْرِي، فَيَقُولَانِ: لَا دَرَيْتَ، فَيُضْرَبُ بِمِرْزَبَّةٍ يَسْمَعُهَا مَا بَيْنَ الْخَافِقَيْنِ إِلَّا الْجِنَّ وَالْإِنْسَ "
وَرَوَى أَبُو حَازِمٍ , عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا , قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عُمَرُ كَيْفَ بِكَ إِذَا جَاءَكَ فَتَّانَا الْقَبْرِ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ، مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ يَنْحِتَانِ الْأَرْضَ بِأَنْيَابِهِمَا، وَيَطَآنِ فِي شُعُورِهِمَا، أَصْوَاتُهُمَا كَالرَّعْدِ الْقَاصِفِ وَأَبْصَارُهُمَا كَالْبَرْقِ الْخَاطِفِ» . فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَعِي عَقْلِي وَأَنَا عَلَى مَا أَنَا عَلَيْهِ الْيَوْمَ، قَالَ: «نَعَمْ» قَالَ إِذَنْ أَكْفِيكَهُمَا بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ عُمَرَ لَمُوَفَّقٌ»

قَالَ، وَحَدَّثَنِي أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الشَّابَاذِيُّ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ: " مَا مِنْ مَيِّتٍ يَمُوتُ إِلَّا وَلَهُ خُوَارٌ يَسْمَعُهُ كُلُّ دَابَّةٍ عِنْدَهُ إِلَّا الْإِنْسَانَ، فَلَوْ سَمِعَهُ لَصُعِقَ فَإِذَا انْطَلَقَ بِهِ إِلَى قَبْرِهِ فَإِنْ كَانَ صَالِحًا قَالَ: عَجِّلُوا بِي لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَمَامِي مِنَ الْخَيْرِ لَقَدَّمْتُمُونِي، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ قَالَ: لَا تَعْجَلُوا بِي لَوْ تَعْلَمُونَ مَا تُقَدِّمُونِي لَهُ مِنَ الشَّرِّ لَمَا عَجَّلْتُمُونِي، فَإِذَا وُورِيَ فِي قَبْرٍ أَتَاهُ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ، فَيَأْتِيَانِهِ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ، فَتَقُولُ صَلَاتُهُ: لَا يُؤْتَى مِنْ قِبَلِي، فَرُبَّ لَيْلَةٍ قَدْ بَاتَ فِيهَا سَاهِرًا حَذِرًا مِنْ هَذَا الْمَضْجَعِ، فَيُؤْتَى مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ، فَيَجِئُ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ فَيَقُولُ: لَا يُؤْتَى مِنْ قِبَلِنَا، فَقَدْ كَانَ يَمْشِي وَيَنْتَصِبُ عَلَيْنَا حَذِرًا لِهَذَا الْمَضْجَعِ، فَيُؤْتَى مِنْ قِبَلِ يَمِينِهِ، فَتَقُولُ صَدَقَتُهُ: لَا يُؤْتَى مِنْ قِبَلِي، فَقَدْ كَانَ يَتَصَدَّقُ بِي حَذِرًا لِهَذَا الْمَضْجَعِ، فَيُؤْتَى مِنْ قِبَلِ شِمَالِهِ، فَيَقُولُ صَوْمُهُ: لَا يُؤْتَى مِنْ قِبَلِي فَقَدْ كَانَ يَظْمَأُ وَيَجُوعُ حَذِرًا لِهَذَا الْمَضْجَعِ، فَيُوقَظُ كَمَا النَّائِمِ فَيُقَالُ لَهُ: أَرَأَيْتَ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ يَقُولُ مَا يَقُولُ، عَلَامَ كُنْتَ مِنْهُ، فَيَقُولُ: مَنْ هُوَ، فَيُقَالُ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولَانِ لَهُ: عِشْتَ مُؤْمِنًا وَمُتَّ مُؤْمِنًا، فَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ، وَيُنْشَرُ لَهُ مِنْ كُلِّ كَرَامَةِ اللَّهِ تَعَالَى مَا شَاءَ اللَّهُ.
فَنَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ وَالْعِصْمَةَ وَأَنْ يُعِيذَنَا مِنَ الْأَهْوَاءِ الضَّالَّةِ الْمُضِلَّةِ وَالْغَفْلَةِ، وَأَنْ يُعِيذَنَا مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَعَوَّذُ بِاللَّهِ مِنْهُ.

وَذُكِرَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ كُنْتُ لَمْ أَعْلَمَ بِعَذَابِ الْقَبْرِ حَتَّى دَخَلَتْ عَلَيَّ يَهُودِيَّةٌ فَسَأَلَتْ شَيْئًا فَأَعْطَيْتُهَا فَقَالَتْ أَعَاذَكِ اللَّهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، فَظَنَنْتُ أَنَّ قَوْلَهَا مِنْ أَبَاطِيلِ الْيَهُودِ، حَتَّى دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَأَخْبَرَنِي أَنَّ عَذَابَ الْقَبْرِ حَقٌّ. فَالْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَسْتَعِيذَ بِاللَّهِ تَعَالَى مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَنْ يَسْتَعِدَّ لِلْقَبْرِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ، فَإِنَّهُ قَدْ سَهُلَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ مَا دَامَ فِي الدُّنْيَا، فَإِذَا دَخَلَ الْقَبْرَ فَإِنَّهُ يَتَمَنَّى أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ بِحَسَنَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَا يُؤْذَنُ لَهُ، فَيَبْقَى فِي حَسْرَةٍ وَنَدَامَةٍ.
فَيَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَتَفَكَّرَ فِي أُمُورِ الْمَوْتَى، فَإِنَّ الْمَوْتَى يَتَمَنَّوْنَ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُمْ بِأَنْ يُصَلُّوا رَكْعَتَيْنِ، أَوْ يُؤْذَنَ لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا مَرَّةً لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، أَوْ يُؤْذَنَ لَهُمْ بِتَسْبِيحَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَتَعَجَّبُونَ مِنَ الْأَحْيَاءِ أَنَّهُمْ يُضَيِّعُونَ أَيَّامَهُمْ فِي الْغَفْلَةِ وَالْبَطَالَةِ.
يَا أَخِي فَلَا تُضَيِّعْ أَيَّامَكَ فَإِنَّهَا رَأْسُ مَالِكَ، فَإِنَّكَ مَا دُمْتَ قَادِرًا عَلَى رَأْسِ مَالِكَ قَدِرْتَ عَلَى الرِّبْحِ، لِأَنَّ بِضَاعَةَ الْآخِرَةَ كَاسِدَةٌ فِي يَوْمِكَ هَذَا، فَاجْتَهِدْ حَتَّى تَجْمَعَ بِضَاعَةَ الْآخِرَةِ كَاسِدَةً فِي وَقْتِ الْكَسَادِ، فَإِنَّهُ يَجِئُ يَوْمٌ تَصِيرُ هَذِهِ الْبِضَاعَةُ فِيهِ عَزِيزَةً، فَاسْتَكْثِرْ مِنْهَا فِي يَوْمِ الْكَسَادِ لِيَوْمِ الْعِزِّ، فَإِنَّكَ لَا تَقْدِرُ عَلَى طَلَبِهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ.
فَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُوَفِّقَنَا لِلِاسْتِعْدَادِ لِيَوْمِ الْفَقْرِ وَالْحَاجَةِ، وَلَا يَجْعَلَنَا مِنَ النَّادِمِينَ الَّذِينَ يَطْلُبُونَ الرَّجْعَةَ، فَلَا يُقَالُونَ وَيُسَهِّلَ عَلَيْنَا سَكَرَاتِ الْمَوْتِ وَشِدَّةَ الْقَبْرِ، وَعَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ آمِينَ، يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، فَإِنَّهُ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ .



Post a Comment

Cookie Consent
We serve cookies on this site to analyze traffic, remember your preferences, and optimize your experience.
Oops!
It seems there is something wrong with your internet connection. Please connect to the internet and start browsing again.
AdBlock Detected!
We have detected that you are using adblocking plugin in your browser.
The revenue we earn by the advertisements is used to manage this website, we request you to whitelist our website in your adblocking plugin.
Site is Blocked
Sorry! This site is not available in your country.