تَنْبِيْهُ الغَافِلِينَ
تأليف
الإمام الفقيه أبى الليث نصر بن محمد الحنفى السمرقندى
(ت ٣٧٣ ه)
بَابُ: صِفَةِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِهَا
بسم الله الرحمن الرحيم
قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنُ الْفَضْلِ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ الزِّيَادِ الْكُوفِيِّ، عَنْ زِيَادٍ الطَّائِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مِمَّ خُلِقَتِ الْجَنَّةُ؟ قَالَ: «مِنَ الْمَاءِ» .
قُلْنَا: أَخْبِرْنَا عَنْ بِنَاءِ الْجَنَّةِ، قَالَ: «لَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَلَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ، وَمِلَاطُهَا، أَيْ طِينُهَا، الْمِسْكُ الإِذْخِرُ وَتُرَابُهَا الزَّعْفَرَانُ وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ وَالْيَاقُوتُ، وَمَنْ يَدْخُلُهَا يَنْعَمُ وَلَا يَيْأَسُ، وَيَخْلُدُ وَلَا يَمُوتُ، وَلَا تَبْلَى ثِيَابُهُ وَلَا يَفْنَى شَبَابُهُ»
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثَلَاثٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَالصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهَا تُرْفَعُ فَوْقَ الْغَمَامِ، فَيَنْظُرُ الرَّبُّ جَلَّ جَلَالُهُ فَيَقُولُ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ "
قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً، يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا، اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} [الواقعة: ٣٠] وَفِي الْجَنَّةِ مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ , اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: ١٧] وَلَمَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران: ١٨٥] .
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا , أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ فِي الْجَنَّةِ حَوْرَاءَ يُقَالُ لَهَا لُعْبَةٌ خُلِقَتْ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ مِنَ الْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ وَالْكَافُورِ وَالزَّعْفَرَانِ، وَعُجِنَ طِينُهَا بِمَاءِ الْحَيَوَانِ، فَقَالَ لَهَا الْعَزِيزُ كُونِي فَكَانَتْ، وَجَمِيعُ الْحُورِ عُشَّاقٌ لَهَا، وَلَوْ بَزَقَتْ فِي الْبَحْرِ بَزْقَةً تُعْذِبُ مَاءَ الْبَحْرِ، مَكْتُوبٌ عَلَى نَحْرِهَا مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلِي فَلْيَعْمَلْ بِطَاعَةِ رَبِّي.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَرْضُ الْجَنَّةِ مِنَ فِضَّةٍ وَتُرَابُهَا مِسْكٌ، وَأُصُولُ شَجَرِهَا فِضَّةٌ، وَأَغْصَانُهَا لُؤْلُؤٌ وَزَبَرْجَدٌ، وَالْوَرَقُ وَالثَّمَرُ تَحْتَ ذَلِكَ، فَمَنْ أَكَلَ قَائِمًا لَمْ يُؤْذِهِ، وَمَنْ أَكَلَ جَالِسًا لَمْ يُؤْذِهِ وَمَنْ أَكَلَ مُضْطَجِعًا لَمْ يُؤْذِهِ.
ثُمَّ قَرَأَ: {وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلا} [الإنسان: ١٤] ، يَعْنِي قَرُبَتْ ثَمَرَتُهَا حَتَّى يَنَالَهَا الْقَائِمُ وَالْقَاعِدُ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , قَالَ: وَالَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَزْدَادُونَ جَمَالًا وَحُسْنًا كَمَا يَزْدَادُونَ فِي الدُّنْيَا هَرَمًا
قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ نَضْرٍ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ صُهَيْبٍ , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ: " إِذَا أُدْخِلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، نَادَى مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ إِنَّ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ مَوْعِدًا يُرِيدُ أَنْ يُنْجِزَكُمُوهُ. فَيَقُولُونَ: مَا هُوَ؟ أَلَمْ يُثَقِّلْ مَوَازِينَنَا وَيُبَيِّضْ وَجُوهَنَا، وَأَدْخَلَنَا الْجَنَّةَ وَأَخْرَجَنَا مِنَ النَّارِ، قَالَ: فَيُكْشَفُ الْحِجَابُ فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ.
فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَعْطَاهُمْ شَيْئًا هُوَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهِ "
وَرَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِرْآةٍ بَيْضَاءَ فِيهَا نَكْتَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا جِبْرِيلُ مَا هَذِهِ الْمِرْآةُ الْبَيْضَاءُ» قَالَ: هَذِهِ الْجُمْعَةُ، وَهَذِهِ النَّكْتَةُ السَّوْدَاءُ السَّاعَةُ الَّتِي تَقُومُ فِي الْجُمْعَةِ قَدْ فُضِّلْتَ أَنْتَ بِهَا وَقَوْمُكَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكَ، فَالنَّاسُ لَكُمْ فِيهَا تَبَعٌ، يَعْنِي الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، وَفِيهَا سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا مُؤْمِنٌ يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ خَيْرٍ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ، وَلَا يَسْتَعِيذُهُ مِنْ شَرٍّ إِلَّا أَعَاذَهُ مِنْهُ، قَالَ وَهِيَ عِنْدَنَا يَوْمُ الْمَزِيدِ.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا يَوْمُ الْمَزِيدِ؟» قَالَ: إِنَّ رَبَّكَ اتَّخَذَ وَادِيًا فِي الْفِرْدَوْسِ، فِيهِ كَثِيبٌ مِنْ مِسْكٍ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمْعَةِ حُفَّتْ بِمَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، عَلَيْهَا النَّبِيُّونَ، وَحُفَّتْ بِمَنَابِرَ مِنْ ذَهَبٍ مُكَالَةٍ بِالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ، عَلَيْهَا الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ الصَّالِحُونَ، وَيَنْزِلُ أَهْلُ الْغُرَفِ فَيَجْلِسُونَ مِنْ وَرَائِهِمْ عَلَى ذَلِكَ الْكَثِيبِ فَيَجْتَمِعُونَ إِلَى رَبِّهِمْ فَيَحْمَدُونَهُ وَيُثْنُونَ عَلَيْهِ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ: «سَلُونِي» ، فَيَقُولُونَ نَسْأَلُكَ الرِّضَا، فَيَقُولُ: «قَدْ رَضِيتُ عَنْكُمْ رِضَاءً أَحَلَّكُمْ دَارِي وَأَنَالَكُمْ كَرَامَتِي» ، فَيَتَجَلَّى لَهُمْ حَتَّى يَرَوْنَهُ.
فَلَيْسَ يَوْمٌ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ يَوْمِ الْجُمْعَةِ لِمَا يَزِيدُهُمْ مِنَ الْكَرَامَةِ.
وَرُوِيَ فِي خَبَرٍ آخَرَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ لِمَلَائِكَتِهِ أَطْعِمُوا أَوْلِيَائِي، فَيُؤْتَى بِأَلْوَانِ الْأَطْعِمَةِ فَيَجِدُونَ لِكُلِّ لُقْمَةٍ لَذَّةً غَيْرَ مَا يَجِدُونَ لِلْأُخْرَى، فَإِذَا فَرَغُوا مِنَ الطَّعَامِ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمُ اسْقُوا عِبَادِي، فَيُؤْتَى بِأَشْرِبَةٍ فَيَجِدُونَ لِكُلِّ نَفَسٍ لَذَّةً بِخِلَافِ الْأُخْرَى، فَإِذَا فَرَغُوا يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ: «أَنَا رَبُّكُمْ قَدْ صَدَقْتُكُمْ وَعْدِي، فَاسْأَلُونِي أُعْطِكُمْ» ، قَالُوا: رَبَّنَا نَسْأَلُكَ رِضْوَانَكَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَيَقُولُ: «قَدْ رَضِيتُ عَنْكُمْ وَلِيَ الْمَزِيدُ، الْيَوْمَ أُكْرِمُكُمْ بِكَرَامَةٍ أَعْظَمَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، فَيُكْشَفُ الْحِجَابُ فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ مَا شَاءَ اللَّهُ فَيَخِرُّونَ لَهُ سُجَّدًا، فَكَانُوا فِي السُّجُودِ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ يَقُولُ لَهُمُ ارْفَعُوا رُؤُوسَكُمْ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعُ عِبَادَةٍ، فَيَنْسَوْنَ كُلَّ نِعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا، وَيَكُونُ النَّظَرُ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ جَمِيعِ النِّعَمِ، ثُمَّ يَرْجِعُونَ فَتَهِيجُ رِيحٌ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ عَلَى تَلٍّ مِنْ مِسْكٍ أَبْيَضَ، فَيُنْثَرُ ذَلِكَ عَلَى رُءُوسِهِمْ وَنَوَاصِي خُيُولِهِمْ، فَإِذَا رَجَعُوا إِلَى أَهْلِيهِمْ يَرَوْنَهُمْ أَزْوَاجَهُمْ فِي الْحُسْنِ وَالْبَهَاءِ أَفْضَلَ مِمَّا تَرَكُوهُنَّ، فَيَقُولُ لَهُمْ أَزْوَاجُهُمْ إِنَّكُمْ قَدْ رَجَعْتُمْ عَلَى أَحْسَنِ مَا كُنْتُمْ» .
مَعْنَى يُرْفَعُ الْحِجَابُ يَعْنِي الْحِجَابُ الَّذِي عَلَيْهِمْ، وَهُوَ السِّتْرُ الَّذِي يَحْجُبُهُمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَى كَرَامَةٍ لَمْ يَرَوْهَا قَبْلَ ذَلِكَ، وَقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ يَرَوْنَهُ بِغَيْرِ كَيْفٍ وَلَا تَشْبِيهٍ، كَمَا يَعْرِفُونَهُ فِي الدُّنْيَا بِلَا تَشْبِيهٍ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: أَهْلُ الْجَنَّةِ كَأَمْثَالِ أَوْلَادِ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، رِجَالُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ وَالْقَامَةُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، عَلَى قَامَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، شَبَابٌ جُرْدٌ مُرْدٌ مُكَحَّلُونَ، عَلَيْهِمْ سَبْعُونَ حُلَّةً تَتَلَوَّنُ كُلُّ حُلَّةٍ فِي كُلِّ سَاعَةٍ سَبْعِينَ لَوْنًا، فَيَرَى وَجْهَهُ فِي وَجْهِهَا، يَعْنِي فِي وَجْهِ زَوْجَتِهِ وَفِي صَدْرِهَا وَفِي سَاقِهَا وَتَرَى هِيَ وَجْهَهَا فِي وَجْهِهِ وَصَدْرِهِ وَسَاقِهِ، لَا يَبْزُقُونَ وَلَا يَتَمَخَّطُونَ وَمَا كَانَ فَوْقَ ذَلِكَ مِنَ الْأَذَى فَهُوَ أَبْعَدُ.
وَرُوِيَ فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ لَوْ أَطْلَعَتِ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ كَفَّهَا مِنَ السَّمَاءِ، لَأَضَاءَتْ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ
قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَكِيمُ أَبُو الْفَضْلِ الْحَدَّادِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَافِعٍ النَّيْسَابُورِيُّ، حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ كَرَّامٍ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ الطَّائِيُّ , عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ , قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ: أَتَزْعُمُ أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيُعْطَى قَوَّةَ مِائَةَ رَجُلٍ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ» .
قَالَ: " فَإِنَّ الَّذِي يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ يَكُونُ لَهُ حَاجَةٌ وَالْجَنَّةُ لَيْسَ فِيهَا أَذًى.
قَالَ: حَاجَةُ أَحَدِهِمْ عَرَقٌ هُوَ كَرِيحِ الْمِسْكِ "
قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ , بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الْأَشْرَسِ، عَنْ مُعَتِّبِ بْنِ سُمَيٍّ , فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} [الرعد: ٢٩] ، قَالَ: طُوبَى شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَيْسَ فِي الْجَنَّةِ دَارٌ إِلَّا يُظِلُّهَا غُصْنٌ مِنْ أَغْصَانِهَا، فِيهِ أَلْوَانُ الثِّمَارِ، وَيَقَعُ عَلَيْهَا طَيْرٌ كَأَمْثَالِ الْبُخْتِ، فَإِذَا اشْتَهَى أَحَدُهُمْ
طَيْرًا دَعَاهُ فَوَقَعَ عَلَى خِوَانِهِ وَأَكَلَ مَنْ أَحَدِ جَانِبَيْهِ قَدِيدًا، وَمِنَ الْآخَرِ شِوَاءً، ثُمَّ يَعُودُ طَيْرًا فَيَذْهَبُ ".
وَرُوِيَ عَنِ الْأَعْمَشِ , عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ: «أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى صَورَةِ أَشَدِّ نَجْمٍ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً، ثُمَّ هُمْ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى مَنَازِلَ لَا يَبُولُونَ، وَلَا يَتَغَوَّطُونَ، وَلَا يَبْزُقُونَ، وَلَا يَتَمَخَّطُونَ أَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ وَمَجَامِرُهُمُ الْأَلْوَةُ، أَيِ الْعُودُ، وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ، أَخْلَاقُهُمْ عَلَى خُلُقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ عَلَى طُولِ أَبِيهِمْ آدَمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، سِتُّونَ ذِرَاعًا»
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا , قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ شُبَّانٌ جُرْدٌ مُرْدٌ لَيْسَ لَهُمْ شَعْرٌ إِلَّا فِي الرَّأْسِ وَالْحَاجِبَيْنِ وَأَهْدَابِ الْعَيْنَيْنِ» .
يَعْنِي لَيْسَ لَهُمْ شَعْرُ عَانَةٍ وَلَا شَعْرُ إِبْطٍ عَلَى طُولِ آدَمَ سِتُّونَ ذِرَاعًا.
عَلَى مَوْلِدِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، بِيضُ الْأَلْوَانِ خُضْرُ الثِّيَابِ، يَضَعُ أَحَدُهُمْ مَائِدَةً بَيْنَ يَدَيْهِ، فَيُقْبِلُ طَائِرٌ فَيَقُولُ: يَا وَلِيَّ اللَّهِ، أَمَا إِنِّي قَدْ شَرِبْتُ مِنْ عَيْنِ السَّلْسَبِيلِ، وَرَعَيْتُ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ تَحْتَ الْعَرْشِ , وَأَكَلْتُ مِنْ ثِمَارِ كَذَا طَعْمٍ، أَحَدُ الْجَانِبَيْنِ مَطْبُوخٌ وَطَعْمُ الْجَانِبِ الْآخَرِ مَشْوِيٌّ، فَيَأْكُلُ مِنْهَا مَا شَاءَ.
وَعَلَى الْوَلِيِّ سَبْعُونَ حُلَّةً، لَيْسَ فِيهَا حُلَّةٌ إِلَّا عَلَى لَوْنٍ آخَرَ، فِي أَصَابِعِهِمْ عَشْرَةُ خَوَاتِيمَ مَكْتُوبٌ فِي الْأَوَّلِ {سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ} [الرعد: ٢٤] ، وَفِي الثَّانِي: {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنينَ} [الحجر: ٤٦] ، وَفِي الثَّالِثِ: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف: ٧٢] ، وَفِي الرَّابِعِ: رَفَعْتُ عَنْكُمُ الْأَحْزَانَ وَالْهُمُومَ، وَفِي الْخَامِسِ: أَلْبَسْنَاكُمُ الْحُلِيَّ وَالْحُلَلَ، وَفِي السَّادِسِ: زَوَّجْنَاكُمُ الْحُورَ الْعِينَ.
وَفِي السَّابِعِ: {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الزخرف: ٧١] ، وَفِي الثَّامِنِ: وَافَقْتُمُ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَفِي التَّاسِعِ: سِرْتُمْ شَبَابًا لَا تَهْرَمُونَ.
وَفِي الْعَاشِرِ: سَكَنْتُمْ فِي جِوَارِ مَنْ لَا يُؤْذِي الْجِيرَانَ.
مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنَالَ هَذِهِ الْكَرَامَاتِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُدَاوِمَ عَلَى خَمْسَةِ أَشْيَاءَ:
أَوَّلُهَا أَن يَمْنَعَ نَفْسَهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَعَاصِي.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى {٤٠} فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: ٤٠-٤١] الْآيَةُ.
وَالثَّانِي أَنْ يَرْضَى بِالْيَسِيرِ مِنَ الدُّنْيَا لِأَنَّهُ رُوِيَ فِي الْخَبَرِ أَنَّ ثَمَنَ الْجَنَّةِ تَرْكُ الدُّنْيَا،
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ حَرِيصًا عَلَى الطَّاعَاتِ، فَيَتَعَلَّقُ بِكُلِّ طَاعَةٍ، فَلَعَلَّ تِلْكَ الطَّاعَةَ تَكُونُ سَبَبًا لِلْمَغْفِرَةِ، وَوُجُوبِ الْجَنَّةِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف: ٧٢] ، وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأحقاف: ١٤] ، وَإِنَّمَا يَنَالُونَ مَا يَنَالُونَ بِالِاجْتِهَادِ فِي الطَّاعَاتِ،
وَالرَّابِعُ: أَنْ يُحِبَّ الصَّالِحِينَ وَأَهْلَ الْخَيْرِ وَيُخَالِطَهُمْ وَيُجَالِسَهُمْ، فَإِنَّ وَاحِدًا مِنْهُمْ إِذَا غُفِرَ لَهُ يَشْفَعُ لِأَصْحَابِهِ وَإِخْوَانِهِ كَمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنَّهُ قَالَ: «أَكْثِرُوا الْإِخْوَانَ فَإِنَّ لِكُلِّ أَخٍ شَفَاعَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
وَالْخَامِسُ: أَنْ يُكْثِرَ الدُّعَاءَ، وَيَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَرْزُقَهُ الْجَنَّةَ، وَأَنْ يَجْعَلَ خَاتِمَتَهُ إِلَى خَيْرٍ.
وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: الرُّكُونُ إِلَى الدُّنْيَا مَعَ مَا يُعَايَنُ مِنَ الثَّوَابِ جَهْلٌ، وَإِنَّ تَرْكَ الْجُهْدِ فِي الْأَعْمَالِ بَعْدَمَا عُرِفَ ثَوَابُهُ عَجْزٌ، وَإِنَّ فِي الْجَنَّةِ رَاحَةً مَا يَجِدُهَا إِلَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الدُّنْيَا رَاحَةٌ، وَفِيهَا غِنًى لَا يَجِدُهُ إِلَّا مَنْ تَرَك فُضُولَ الدُّنْيَا وَاقْتَصَرَ عَلَى الْيَسِيرِ مِنَ الدُّنْيَا.
وَذُكِرَ عَنْ بَعْضِ الزُّهَّادِ أَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ بَقْلًا مِنْ غَيْرِ خُبْزٍ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ:
قَدِ اقْتَصَرْتُ عَلَى هَذَا؟ فقَالَ: إِنِّي إِنَّمَا جَعَلْتُ الدُّنْيَا لِلْجَنَّةِ، وَأَنْتَ جَعَلْتَ الدُّنْيَا لِلْمَزْبَلَةِ، يَعْنِي تَأْكُلُ الطَّيِّبَاتِ فَتَصِيرُ إِلَى الْمَزْبَلَةِ , وَإِنِّي لَآكُلُ لِإِقَامَةِ الطَّاعَةِ لَعَلِّي أَصِيرُ إِلَى الْجَنَّةِ.
وَذُكِرَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ الْحَمَّامَ، فَمَنَعَهُ صَاحِبُ الْحَمَّامِ، وَقَالَ لَا تَدْخُلُ إِلَّا بِالْأُجْرَةِ، فَبَكَى إِبْرَاهِيمُ وَقَالَ: اللَّهُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِي أَنْ أَدْخُلَ بَيْتَ الشَّيَاطِينِ مَجَّانًا، فَكَيْفَ لِي بِدُخُولِ بَيْتِ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ مَجَّانًا.
وَذُكِرَ أَنَّ فِي بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى بَعْضِ أَنْبِيَائِهِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: يَابْنَ آدَمَ تَشْتَرِي النَّارَ بِثَمَنٍ غَالٍ، وَلَا تَشْتَرِي الْجَنَّةَ بِثَمَنٍ رَخِيصٍ.
وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّ فَاسِقًا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ ضِيَافَةً لِلْفُسَّاقِ، فَرُبَّمَا يُنْفِقُ فِيهَا الْمِائَةَ أَوِ الْمِائَتَيْنِ وَيَخِفُّ عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَهُوَ يَشْتَرِي النَّارَ بِثَمَنٍ غَالٍ، وَلَوْ أَنَّهُ اتَّخَذَ ضِيَافَةً لِأَجْلِ اللَّهِ تَعَالَى بِدِرْهَمٍ أَوْ دِرْهَمَيْنِ فَيَدْعُو إِلَيْهَا بَعْضَ الْمُحْتَاجِينَ لَثَقُلَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَيَكُونُ ذَلِكَ ثَمَنَ الْجَنَّةِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ , أَنَّهُ قَالَ: لَوْ كَانَتِ الْجَنَّةُ لَا يَدْخُلُ فِيهَا أَحَدٌ إِلَّا بِتَرْكِ جَمِيعِ مَا يُحِبُّ مِنَ الدُّنْيَا، لَكَانَ يَسِيرًا فِي جَانِبِهَا، وَلَوْ كَانَتِ النَّارُ لَا يَنْجُو مِنْهَا إِلَّا بِتَحَمُّلِ جَمِيعِ مَا يُكْرَهُ، لَكَانَ يَسِيرًا فِي جَانِبِهَا، فَكَيْفَ وَقَدْ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِتَرْكِ جُزْءٍ مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ مِمَّا تُحِبُّ، وَقَدْ تَنْجُو مِنَ النَّارِ بِتَحَمُّلِ جُزْءٍ مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ مِمَّا تَكْرَهُ.
قَالَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ الرَّازِيُّ: تَرْكُ الدُّنْيَا شَدِيدٌ، وَتَرْكُ الْجَنَّةِ أَشَدُّ مِنْهُ، وَإِنَّ مَهْرَ الْجَنَّةِ تَرْكُ الدُّنْيَا
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْجَنَّةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، قَالَتِ الْجَنَّةُ اللَّهُمَّ ادْخُلْهُ الْجَنَّةَ، وَمَنِ اسْتَجَارَ مِنَ النَّارِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَتِ النَّارُ اللَّهُمَّ أَجِرْهُ مِنَ النَّارِ» فَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُجِيرَنَا مِنَ النَّارِ وَأَنْ يُدْخِلَنَا الْجَنَّةَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْجَنَّةِ سِوَى لِقَاءِ الْإِخْوَانِ وَاجْتِمَاعِهِمْ، لَكَانَ هَنِيئًا طَيِّبًا، فَكَيْفَ وَفِيهَا مَا فِيهَا مِنْ فُنُونِ الْكَرَامَاتِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ أَسْوَاقًا لَا شِرَاءَ فِيهَا وَلَا بَيْعَ، يَجْتَمِعُونَ فِيهَا حِلَقًا حِلَقًا، يَتَذَاكَرُونَ كَيْفَ كَانَتِ الدُّنْيَا، وَكَيْفَ كَانَتْ عِبَادَةُ الرَّبِّ وَكَيْفَ كَانَ فُقَرَاءُ أَهْلِ الدُّنْيَا وَأَغْنِيَاؤُهَا، وَكَيْفَ كَانَ الْمَوْتُ وَكَيْفَ صِرْنَا بَعْدَ طُولِ الْبِلَى إِلَى الْجَنَّةِ»
قَالَ: أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ بِإِسْنَادِهِ , عَنْ أَسْبَاطٍ، عَنْ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مُرَّةَ , عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , أَنَّهُ قَالَ: " يَرِدُ النَّاسُ جَمِيعًا الصِّرَاطَ، وَوُرُودُهُمْ قِيَامُهُمْ حَوْلَ النَّارِ، ثُمَّ يَمُرُّونَ عَلَى الصِّرَاطِ بِأَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ مِثْلَ الْبَرْقِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَأَجْوَدِ الْخَيْلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَأَجْوَدِ الْإِبِلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَعَدْوِ الرَّجُلِ، حَتَّى إِنَّ آخِرَهُمْ رَجُلٌ يَمُرُّ عَلَى مَوْضِعِ إِبْهَامَيْ قَدَمَيْهِ، ثُمَّ يَتَكَفَّأُ بِهِ الصِّرَاطُ، وَالصِّرَاطُ دَحْضٌ مَزَلَّةٌ، حَدُّهُ كَحَدِّ السَّيْفِ عَلَيْهِ حَسَكٌ كَحَسَكِ الْقَتَادِ، عَلَى حَافَّتَيْهِ مَلَائِكَةٌ مَعَهُمْ كَلَالِيبُ مِنْ نَارٍ يَخْتَطِفُونَ بِهَا النَّاسَ، وَالْمَلَائِكَةُ يَقُولُونَ: رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ، فَيَمُرُّ رَجُلٌ وَهُوَ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا، فَإِذَا جَارَ الصِّرَاطُ رُفِعَ لَهُ بَابٌ مِنَ الْجَنَّةِ فَلَا يَرَى لَهُ فِي الْجَنَّةِ مَقْعَدًا، فَإِذَا نَظَرَ إِلَيْهَا قَالَ: رَبِّ أَنْزِلْنِي هَهُنَا، فَيَقُولُ لَهُ: فَلَعَلَّكَ إِنْ أَنْزَلْتُكَ هُنَا تَسْأَلُنِي غَيْرَهُ، فَيَقُولُ: لَا وَعِزَّتِكَ، فَيُنْزِلُهُ ثُمَّ يَرْفَعُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ مَنَازِلَ، فَيَتَحَاقَرُ إِلَيْهِ مَا أُعْطِيَ مِمَّا يَرَى، فَيَقُولُ: رَبِّ أَنْزِلْنِي هُنَاكَ، فَيَقُولُ: فَلَعَلَّكَ إِنْ أَنْزَلْتُكَ هَهُنَا أَنْ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ، فَيَقُولُ: لَا وَعِزَّتِكَ فَيُنْزِلُهُ، ثُمَّ يَرْفَعُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ حَتَّى الرَّابِعَةْ فَإِذَا كَانَتِ الرَّابِعَةُ رَفَعَ لَهُ فَيَتَحَاقَرُ إِلَيْهِ كُلُّ شَيْءٍ أُعْطِيَ، فَيَسْكُتُ فَلَا يَسْأَلُ شَيْئًا، فَيَقُولُ لَهُ: إِلَّا تَسْأَلْ، فَيَقُولُ: سَأَلْتُ حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: لَكَ مِثْلُ الدُّنْيَا، وَعَشْرَةُ أَمْثَالِهَا فَهَذَا هُوَ أَوْضَعُ أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلًا "، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَتَحَدَّثُ بِذَلِكَ إِلَّا ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ»
وَرُوِيَ فِي الْخَبَرِ أَنَّ نِسَاءَ أَهْلِ الدُّنْيَا، مَنْ جُعِلَ مِنْهُمْ فِي الْجَنَّةِ يُفَضَّلْنَ عَلَى الْحُورِ الْعِينِ بِأَعْمَالِهِنَّ فِي الدُّنْيَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً {٣٥} فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا {٣٦} عُرُبًا أَتْرَابًا {٣٧} لأَصْحَابِ الْيَمِينِ} [الواقعة: ٣٥-٣٨]